عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٧٤
مطابقته للترجمة بطريق الإشارة أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر. وقال بعضهم: الغرض منه ههنا الإشارة إلى مبادرة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى صلاة الصبح في أول الوقت. قلت: الترجمة في بيان وقت الفجر لا فيما قاله، فلا تطابق حينئذ بين الترجمة والحديث، وأيضا لا يستلزم سرعة سهل لإدراك الصلاة مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بها.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: إسماعيل بن أبي أويس. واسم أبي أويس: عبد الله الأصبحي المدني، ابن أخت مالك ابن أنس، رحمه الله. الثاني: أخوه عبد الحميد بن أبي أويس، يكنى أبا بكر. الثالث: سليمان بن بلال أبو أيوب، وقد تقدم. الرابع: أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، من عباد أهل المدينة. الخامس: سهل بن سعد بن مالك الأنصاري، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: السماع. وفيه: أن رواته كلهم مدنيون. وفيه: رواية الأخ عن الأخ.
ذكر معناه: قوله: (ثم تكون سرعة)، يجوز في: سرعة، الرفع والنصب؛ أما الرفع فعلى أن: كان، تامة بمعنى: توجد سرعة، ولفظة: بي، تتعلق به، وأما النصب فعلى أن تكون: كان، ناقصة ويكون اسم: كان، مضمرا فيه، وسرعة، خبره، والتقدير: تكون السرعة سرعة حاصلة بي. وهكذا قدره الكرماني، وقال: والاسم ضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظة السرعة. قلت: فيه تعسف، الأوجه أن يقال: إن: كان، ناقصة: وسرعة، بالرفع اسمها، وقوله: بي، في محل الرفع على أنها صفة سرعة، وقوله: (أن أدرك) خبر: كان، وكلمة: أن، مصدرية، والتقدير: وتكون سرعة حاصلة بي لإدراك صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأما نصب: سرعة، فقد ذكر الكرماني فيه وجهين: أحدهما ما ذكرناه، والآخر: أنه نصب على الاختصاص، فالأول فيه التعسف، كما ذكرنا، والثاني لا وجه له يظهر بالتأمل.
578 حدثنا يحيى بن بكير قال أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة أخبرته قالت كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس هذا الحديث أخرجه البخاري في باب كم تصلي المرأة من الثياب؟ عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وهو ابن شهاب، وتكلمنا هناك بما فيه الكفاية في جميع متعلقات الحديث، ولنتكلم هنا ببعض شيء زيادة الإيضاح، وذكر هذا الحديث ههنا لا يطابق الترجمة. فإن قلت: فيه دلالة على استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت. قلت: سلمنا هذا، ولكن لا يدل هذا على أن وقت الفجر عند طلوع الفجر، لأن المبادرة تحصل ما دام الغلس باقيا. قوله: (الليث عن عقيل)، الليث هو ابن سعد المصري، وعقيل بالضم ابن خالد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وفي الإسناد: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في موضعين، والإخبار بصيغة الإفراد من الماضي المذكر في موضع، ومثله في موضع ولكن بالتأنيث.
قوله: (كن)، أي: النساء، والقياس أن يقال: كانت النساء المؤمنات، ولكن هو من قبيل: أكلوني البراغيث، في أن البراغيث إما بدل أو بيان، وإضافة النساء إلى المؤمنات مؤولة، لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز، والتقدير نساء الأنفس المؤمنات، أو الجماعة المؤمنات. وقيل: إن النساء ههنا بمعنى: الفاضلات، أي: فاضلات المؤمنات، كما يقال: رجال القوم أي فضلاؤهم ومتقدموهم. قوله: (يشهدن) أي: يحضرن. قوله: (صلاة الفجر)، بالنصب إما مفعول به أو مفعول فيه، وكلاهما جائزان لأنها مشهودة ومشهود فيها. قوله: (متلفعات)، حال أي: متلحفات، من التلفع وهو: شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به. قوله: (بمروطهن)، يتعلق: بمتلفعات، وهو جمع مرط: بكسر الميم وهو: كساء من صوف أو خز يؤتزر به. قوله: (ثم ينقلبن)، أي: يرجعن إلى بيوتهن. قوله: (لا يعرفهن أحد) قال الداودي: معناه لا يعرفن أنساء أم رجال، يعني: لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة. وقيل: لا يعرف أعيانهن، فلا يفرق بين فاطمة وعائشة. وقال النووي: فيه نظر لأن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها، فلا يبقى في الكلام فائدة، ورد بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد غيرها لنفى الرؤية بالعلم. وقال بعضهم: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»