وفيه: ما استنبطه أبو زيد الدبوسي في (كتاب الأسرار) من أن وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، لأنه إذا كان كذلك كان قريبا من أول العاشرة، فيكون إلى المغرب ثلاث ساعات غير شيء يسير، وتكون النصارى أيضا عملوا ثلاث ساعات وشيئا يسيرا، وهذا من أول الزوال إلى أول الساعة العاشرة، وهو إذا صار ظل كل شيء مثليه، واعترض على هذا بأن النصارى لم تقله، وإنما قاله الفريقان: اليهود والنصارى، ووقتهم أكثر من وقتنا، فيستقيم قولهم: أكثر عملا؟ وأجيب: بأن اليهود والنصارى لا يتفقان على قول واحد، بل قالت النصارى: كنا أكثر عملا وأقل عطاء، وكذا اليهود، باعتبار كثرة العمل وطوله، ونقل بعضهم كلام أبي زيد هكذا، ثم قال: تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه، لأنه لو كان ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر، وقد قالوا: كنا أكثر عملا، فدل على أنه دون وقت الظهر. ثم قال: وأجيب بمنع المساواة، وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أن المدة بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب. انتهى. قلت: لا يخفى على كل أحد أن وقت العصر، لو كان بمصير ظل كل شيء مثله، يكون وقت الظهر الذي ينتهي إلى مصير ظل كل شيء مثله، مثل وقت العصر الذي نقول: وقته بمصير ظل كل شيء مثله، ومع هذا أبو زيد ما ادعى المساواة بالتحقيق، ثم قال هذا القائل: وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة. قلت: ما ادعى هو التسوية من كل جهة حتى يعترض عليه.
وفيه: ما استنبطه بعضهم أن مدة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ألف سنة، وذلك لأنه جعل النهار نصفين الأول لليهود، فكانت مدتهم ألف سنة وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عباس، رواه أبو صالح عنه، وفي قول ابن إسحاق: ألف سنة وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، وللنصارى كذلك، فجاءت مدة النصارى لا يختلف الناس أنه كان بين عيسى ونبينا صلوات الله على نبينا وعليه ستمائة سنة، فبقي للمسلمين ألف سنة وزيادة، وفيه نظر، من حيث إن الخلاف في مدة الفترة، فذكر الحاكم في (الإكليل) أنها مائة وخمسة وعشرون سنة، وذكر أنها أربعمائة سنة، وقيل: خمسمائة وأربعون سنة. وعن الضحاك أربعمائة وبضع وثلاثون سنة، وقد ذكر السهيلي عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي: أن جعفرا حدث بحديث مرفوع: (إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة، وذلك ألف سنة، وإن أساءت فنصف يوم). وفي حديث زمل الخزاعي، قال: (رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات، وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعتها، ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها، ودرجات المنبر عدة الدنيا: سبعة آلاف سنة، بعث في آخرها ألفا) قال السهيلي: والحديث، وإن كان ضعيف الإسناد، فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح، أنه قال: (الدنيا سبعة أيام، كل يوم ألف سنة)، وصحح الطبري هذا الأصل وعضده بآثار.
وفيه: ما استدل به بعض أصحابنا على أن آخر وقت الظهر ممتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وذلك أنه جعل لنا من الزمان من الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهو يدل أن بينهما أقل من ربع النهار، لأنه لم يبق من الدنيا ربع الزمان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى)، فشبه ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبابة والوسطى من التفاوت. قال السهيلي: وبينهما نصف سبع، لأن الوسطى ثلاثة أسباع، كل مفصل منها سبع، وزيادتها على السبابة نصف سبع، والدنيا على ما قدمناه عن ابن عباس سبعة آلاف سنة، فلكل سبع ألف سنة، وفضلت الوسطى على السبابة بنصف الأنملة، وهو ألف سنة فيما ذكره أبو جعفر الطحاوي وغيره، وزعم السهيلي: أنه بحساب الحروف المقطعة أوائل السور تكون تسعمائة سنة وثلاث سنين، وهل هي من مبعثه صلى الله عليه وسلم أو هجرته أو وفاته؟ والله أعلم.
558 حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا إلى الليل فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك فاستأجر آخرين فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا لك ما عملنا فاستأجر قوما فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين (الحديث 558 طرفه في: 2271).
مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإشارة لا بالتصريح، بيان ذلك أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر، وإنما قلنا: بطريق الإشارة، لأن هذا الحديث قصد به بيان الأعمال لا بيان الأوقات.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: أبو أسامة حماد ابن أبي أسامة. الثالث: بريد، بضم الباء الموحدة: ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ويكنى أبا بردة. الرابع: أبو بردة، واسمه: عامر، وهو جد بريد المذكور. الخامس: أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: القول. وفيه: رواية الرجل عن جده، ورواية الابن عن أبيه. وفيه: أن رواته ما بين كوفي وبصري. وفيه: ثلاثة بالكنى.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في الإجارة أيضا.
ذكر معناه: قوله: (مثل المسلمين)، المثل، بفتح الميم في الأصل بمعنى: المثل، بكسر الميم، وهو النظير. يقال: مثل ومثل ومثيل: كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مثل، ولم يضربوا مثلا إلا لقول فيه غرابة، وهذا تشبيه المركب بالمركب، فالمشبه والمشبه به هما المجموعان الحاصلان من الطرفين، وإلا كان القياس أن يقال كمثل: أقوام استأجرهم رجل. ودخول: كاف، التشبيه على المشبه به، في تشبيه المفرد بالمفرد، وهذا ليس كذلك. قوله: (لا حاجة لنا إلى أجرك)، الخطاب إنما هو للمستأجر، والمراد منه لازم هذا القول، وهو ترك العمل. قوله: (فقال أكملوا)، من الإكمال بهمزة القطع، وكذا وقع في رواية البخاري في الإجارة، ووقع هنا في رواية الكشميهني: (اعملوا)، بهمزة الوصل من العمل. قوله: (حين)، منصوب لأنه خبر: كان، أي: كان الزمان زمان الصلاة، ويجوز أن يكون مرفوعا بأنه اسم: كان، وتكون تامة. وحاصل المعنى من قوله: (وقالوا لا حاجة لنا في أجرك...) إلى آخره لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، اعملوا بقية يومكم وخذوا أجرتكم كاملا، فأبوا وتركوا ذلك كله عليه، فاستأجر قوما آخرين، فقال لهم: اعملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر، فعملوا حتى حان العصر، قالوا: لك ما عملنا باطل ذلك الأجر الذي جعلت لنا، لا حاجة لنا فيه، فقال لهم: اكملوا بقية عملكم، فإنما بقي من النهار شيء يسير وخذوا أجركم، فأبوا عليه، فاستأجر قوما آخرين فعملوا بقية يومهم حتى إذا غابت الشمس واستكملوا أجر الفر?????????????????????????????????????????????????