ومنها: أي: من الأحكام: أن أبا حنيفة ومن تبعه استدلوا بالحديث المذكور أن آخر وقت العصر هو غروب الشمس، لأن من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدرك له، فإذا كان مدركا يكون ذلك الوقت من وقت العصر لأن معنى قوله: (فقد أدرك)، أدرك وجوبها، حتى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة العصر، ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس. وقال زفر: لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس. وقال زفر: لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء فيه حقيقة، وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا: أحدهما:، لا يلزمه، والآخر: يلزمه، وهو أصحهما.
ومنها: أنهم اختلفوا في معنى الإدراك. هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت في أقل من ركعة؟ فذهب مالك وجمهور الأئمة، وهو أحد قولي الشافعي: إلى أنه لا يدرك شيئا من ذلك بأقل من ركعة، متمسكين بلفظ الركعة، وبما في (صحيح) ابن حبان عن أبي هريرة: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوها ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة). وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قول: إلى أنه يكون مدركا لحكم الصلاة. فإن قلت: قيد في الحديث بركعة فينبغي أن لا يعتبر أقل منها؟ قلت: قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة أو نحوها، حتى قال بعض الشافعية: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الركعة البعض من الصلاة، لأنه روي عنه: (من أدرك ركعة من العصر...) و: (من أدرك ركعتين من العصر)، (ومن أدرك سجدة من العصر)، فأشار إلى بعض الصلاة مرة: بركعة، ومرة: بركعتين، ومرة بسجدة. والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة، فمن أدركها فكأنه أدرك ركعة. وقال القرطبي: واتفق هؤلاء، يعني أبا حنيفة وأبا يوسف والشافعي في قول، على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل الغروب، واختلفوا في الظهر، فعند الشافعي في قول: هو مدرك بتكبيرة لها لاشتراكهما في الوقت، وعنه أنه بتمام القيام للظهر يكون قاضيا لها بعد، واختلفوا في الجمعة، فذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وزفر ومحمد والشافعي وأحمد إلى أن: من أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين، وهو قول النخعي والحكم وحماد، وأغرب عطاء ومكحول وطاووس ومجاهد فقالوا: إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلي أربعا، لأن الجمعة إنما قصرت من أجل الخطبة: وحمل أصحاب مالك قوله: (من أدرك ركعة من العصر) على أصحاب الأعذار: كالحائض والمغمى عليه وشبههما، ثم هذه الركعة التي يدركون بها الوقت هي بقدر ما يكبر فيها للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويسجد سجدتين يفصل بينهما ويطمئن في كل ذلك، على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة، يكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها. وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد الركعة، وسبب الخلاف: هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية أو اللغوية؟
وأما التي يدرك بها فضيلة الجماعة فحكمها بأن يكبر لإحرامها ثم يركع، ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه، وهذا مذهب الجمهور، وروي عن أبي هريرة أنه: لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركع، وروي معناه عن أشهب، وروي عن جماعة من السلف أنه: متى أحرم والإمام راكع أجزأه، وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام. وقيل: يجزيه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع الناس، ونقله ابن بزيزة عن الشعبي، قال: وإذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم، أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه، وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة، لأن الصف الذي هو فيه إمامه، وقال ابن أبي ليلى وزفر والثوري: إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك، وإن رفع الإمام قبل أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يعتد بها. وقال ابن سيرين: إذا أدرك تكبيرة يدخل بها في الصلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة. وقال القرطبي: وقيل: يجزيه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقال ابن بزيزة: قال أبو العالية: إذا جاء وهم سجود يسجد معهم، فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد، ويعتد بتلك الركعة. وعن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى، ولا يعتد بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رؤوسهم اعتد بها، وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها.
وأما حكم هذه الصلاة: فالصحيح أنها كلها أداء، قال بعض الشافعية: كلها قضاء، وقال بعضهم: تلك الركعة أداء، وما بعدها قضاء، وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى العصر وصلى ركعة في الوقت، فإن قلنا: الجميع أداء، فله قصرها. وإن قلنا: كلها قضاء، أو: بعضها، وجب إتمامها أربعا إن قلنا: إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها، وهذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت، فإن كان دون ركعة، فقال الجمهور: كلها قضاء.