وحمل أصحاب مالك قوله: (من أدرك ركعة من العصر) على أصحاب الأعذار: كالحائض والمغمى عليه وشبههما، ثم هذه الركعة التي يدركون بها الوقت هي بقدر ما يكبر فيها للإحرام ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ويركع ويسجد سجدتين يفصل بينهما ويطمئن في كل ذلك، على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة، يكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها. وأشهب لا يراعي إدراك السجدة بعد الركعة، وسبب الخلاف: هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية أو اللغوية؟
وأما التي يدرك بها فضيلة الجماعة فحكمها بأن يكبر لإحرامها ثم يركع، ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه، وهذا مذهب الجمهور، وروي عن أبي هريرة أنه: لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركع، وروي معناه عن أشهب، وروي عن جماعة من السلف أنه: متى أحرم والإمام راكع أجزأه، وإن لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام. وقيل: يجزيه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع الناس، ونقله ابن بزيزة عن الشعبي، قال: وإذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم، أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه، وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة، لأن الصف الذي هو فيه إمامه، وقال ابن أبي ليلى وزفر والثوري: إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك، وإن رفع الإمام قبل أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يعتد بها. وقال ابن سيرين: إذا أدرك تكبيرة يدخل بها في الصلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة. وقال القرطبي: وقيل: يجزيه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقال ابن بزيزة: قال أبو العالية: إذا جاء وهم سجود يسجد معهم، فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد، ويعتد بتلك الركعة. وعن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى، ولا يعتد بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رؤوسهم اعتد بها، وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها.
وأما حكم هذه الصلاة: فالصحيح أنها كلها أداء، قال بعض الشافعية: كلها قضاء، وقال بعضهم: تلك الركعة أداء، وما بعدها قضاء، وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى العصر وصلى ركعة في الوقت، فإن قلنا: الجميع أداء، فله قصرها. وإن قلنا: كلها قضاء، أو: بعضها، وجب إتمامها أربعا إن قلنا: إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها، وهذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت، فإن كان دون ركعة، فقال الجمهور: كلها قضاء.
557 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا قال قال الله عز وجل هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء..
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله: (إلى غروب الشمس)، فدل على أن وقت العصر إلى غروب الشمس، وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك وقتها، فليتم ما بقي، وهذا المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي، لا بطريق الأمر البرهاني، ولهذا قال ابن المنير: هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى، وإن هذه الأمة أقصرها عمرا وأقلها عملا وأعظمها ثوابا.
ويستنبط منه للبخاري بتكلف في قوله: (فعملنا إلى غروب الشمس،)، فدل أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس، وأنه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ بالإشارة، لا من