كذلك فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي.
الوجه الثاني: فيه زيادة شرف الصلاتين، وذلك لتعاقب الملائكة في وقتيهما، ولأن وقت صلاة الصبح وقت لذة النوم كما قيل:
* ألذ الكرى عند الصباح يطيب * والقيام فيه أشق على النفس من القيام في غيره، وصلاة العصر وقت الفراغ عن الصناعات وإتمام الوظائف، والمسلم إذا حافظ عليها مع ما فيه من التثاقل والتشاغل فلأن يحافظ على غيرها بالطريق الأولى.
الوجه الثالث: ما قاله الخطابي إن قوله: (افعلوا)، يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين.
555 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون..
مطابقته للترجمة في قوله: (ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر) وقد ذكرنا أن اقتصاره في الترجمة على العصر من باب الاكتفاء.
1 ذكر رجاله: وهم خمسة، وقد ذكروا غير مرة، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن ابن هرمز.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع، والإخبار كذلك في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته مدنيون ما خلا عبد الله بن يوسف فإنه تنيسي، وهو من أفراد البخاري.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن إسماعيل وقتيبة. وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي فيه وفي البعوث عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم، الكل عن مالك.
ذكر معناه وإعرابه: قوله: (يتعاقبون فيكم ملائكة) فاعل: يتعاقبون، مضمر والتقدير: ملائكة يتعاقبون. وقوله: (ملائكة) بدل من الضمير الذي فيه، أو بيان كأنه قيل: من هم؟ فقيل: ملائكة. وهذا مذهب سيبويه فيه وفي نظائره، وقال الأخفش ومن تابعه: إن إظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم جائز، وهي لغة بني الحارث. وقالوا: هو نحو: أكلوني البراغيث. وكقوله تعالى: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * (الأنبياء: 3). وقال القرطبي: هذه لغة فاشية ولها وجه في القياس صحيح، وعليها حمل الأخفش قوله تعالى: * (وأسروا النجوى الذين ظلموا) * (الأنبياء: 3). وقيل: هذا الطريق المذكور هنا اختصره الراوي، وأصله: الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، وبهذا اللفظ رواه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد: (إن الملائكة يتعاقبون فيكم). فاختلف فيه عن أبي الزناد. وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ: (إن الملائكة يتعاقبون فيكم). فاختلف فيه على أبي الزناد فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا، وتارة هكذا، وهذا يقوي قول هذا القائل، ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تاما، فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة، لكن بحذف: إن، من أوله. وأخرجه ابن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: (إن لله ملائكة يتعاقبون)، وهذه الطريقة أخرجها البزار أيضا. وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) بإسناد صحيح من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ: (إن لله ملائكة فيكم يتعاقبون). ومعنى: يتعاقبون، تأتي طائفة عقيب طائفة، ومنه: تعقيب الجيوش، وهو أن يذهب قوم ويأتي آخرون. وقال ابن عبد البر: وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا، ومنه: تعقيب الجيوش، أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة، ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة، ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين فإن قلت: ما وجه تكرير تنكيره ملائكة؟ قلت: ليدل على أن الثانية غير الأولى. كقوله تعالى: * (غدوها شهر ورواحها شهر) * (سبأ: 12). وأما الملائكة فعند أكثر العلماء هم الحفظة، فسؤاله لهم إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم