عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٦٠
بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق: وقت صلاة العشاء الآخرة، وقال الخليل: هي بعد غيبوبة الشفق. وأعتم: إذا دخل في العتمة، والعتمة الإبطاء. يقال: أعتم الشيء وعتمه إذا أخره، وعتمت الحاجة واعتمت إذا تأخرت. فإن قلت: سياق الحديث الذي في هذا الباب، والحديث الذي في الباب الذي قبله واحد، فما وجه مغايرة الترجمتين؟ قلت: لأنه لم يثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، إطلاق اسم العشاء على المغرب، وثبت عنه إطلاق اسم العتمة على العشاء، فغاير البخاري بين الترجمتين بحسب ذلك.
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر وقال لو يعلمون ما في العتمة والفجر اللفظ الأول، أسنده البخاري في فضل العشاء في جماعة، والثاني أسنده في باب الأذان والشهادات، وأشار البخاري بإيراد هذا الحديث، والأحاديث التي بعده محذوفة الأسانيد، إلى جواز تسمية العشاء بالعتمة، وقد أباح تسميتها بالعتمة أيضا أبو بكر وابن عباس، ذكره ابن أبي شيبة قال أبو عبد الله والاختيار أن يقول العشاء لقوله تعالى ومن بعد صلاة العشاء أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وكأنه اقتبس مما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله تعالى: العشاء. قال تعالى: * (ومن بعد صلاة العشاء) * (النور: 58). وقال ابن المنير: هذا لا يتناوله لفظ الترجمة، فإن لفظها يفهم التسوية، وهذا ظاهر في الترجيح، وأجيب عنه بأنه: لا منافاة بين الجواز والأولوية، فالشيئان إذا كانا جائزي الفعل قد يكون أحدهما أولى من الآخر، وإنما صار أولى منه لموافقته لفظ القرآن. قلت: لا نسلم أن لفظ الترجمة يفهم بالتسوية، غاية ما في الباب إنما تفهم الجواز عند من رآه والجواز لا يستلزم التسوية.
ويذكر عن أبي موسى قال كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها هذا التعليق وصله البخاري في باب فضل العشاء مطولا، وهو الباب الذي يلي الباب الذي بعده، ولفظه فيه: (فكان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم، فوافقنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أنا وأصحابي، وله بعض الشغل في بعض أمره، فاعتم بالصلاة...)، الحديث. فإن قلت: هذا صحيح عنده، فكيف ذكره بصيغة التمريض قلت غرضه بيان اطلاقهم العتمة والعشاء عليهما عليه سواء كان بصيغة التمريض لنحو: يذكر، أو بصيغة التصحيح نحو: قال، كما قال: وقال أبو هريرة، فيما مضى الآن.
وقال ابن عباس وعائشة أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة بالعشاء هذا التعليق ذكر بصيغة التصحيح، وحديث ابن عباس وصله في باب النوم قبل العشاء، وهو الباب الرابع بعد هذا الباب، ولفظه فيه: قلت: لعطاء، فقال: سمعت ابن عباس يقول: (اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء حتى رقد الناس...) الحديث، وأما حديث عائشة فوصله في باب فضل العشاء ولفظه: عن عروة أن عائشة أخبرته، قال: (اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء...) الحديث، وكذا وصله في باب النوم قبل العشاء عن عروة أن عائشة قالت: (اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء...) الحديث. قوله: (اعتم النبي صلى الله عليه وسلم، بالعتمة) أي: أخر صلاة العتمة أو أبطأ بها. قوله: (بالعشاء)، بدل اشتمال من قوله: (بالعتمة).
وقال بعضهم عن عائشة أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة هذا التعليق وصله البخاري في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل من طريق شعيب عن الزهري عن عروة عنها. وأخرجه النسائي أيضا من هذا الطريق قوله: (اعتم بالعتمة)، أي: دخل في وقت العتمة.
وقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء لما ذكر ثلاث تعليقات عن ثلاثة من الصحابة وهم: أبو موسى الأشعري وابن عباس وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 53 53 54 59 60 62 65 67 68 71 ... » »»