عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٧١
2 (باب التيمن في دخول المسجد وغيره)) أي: هذا باب في بيان البداءة باليمين في دخول المسجد وغيره. قال الكرماني: وغيره، بالجر عطف على: الدخول لا على: المسجد، ولا على: التيمن، وتبعه بعضهم على ذلك قلت: لم لا يجوز أن يكون عطفا على المسجد، أي: وغير المسجد، مثل: البيت والمنزل.
وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة، ويؤيد فعل ابن عمر ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق معاوية بن قرة: (عن أنس، رضي ا تعالى عنه، أنه كان يقول: من السنة إذا دخلت السمجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى). وقول الصحابي: من السنة كذا، محمول على أنه مرفوع إلى النبي، وهو الصحيح. قوله: (يبدأ) أي: في دخول المسجد، وذكر خرج في مقابله قرينة له.
62478 حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله..
مطابقته للترجمة من حيث عمومه لأن عمومه يدل على البداءة باليمين في دخول المسجد، وذكر هذا الحديث في باب التيمن في الوضوء والغسل عن حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني أشعث بن سليم، قال: سمعت أبي عن مسروق عن عائشة، رضي ا تعالى عنها، قالت: (كان النبي يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله)، وقد ذكرنا هناك أن الجماعة أخرجوا هذا الحديث، وأن البخاري أخرجه أيضا في اللباس وفي الأطمعة، وتكلمنا فيه بما فيه الكفاية مستوفى، ولنذكر ما يتعلق به ههنا.
قوله: (ما استطاع) كلمة: ما، يجوز أن تكون موصولة وتكون بدلا من التيمن، ويجوز أن تكون بمعنى: ما دام، وبه احترز عما لا يستطيع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد. قوله: (في شأنه) يتعلق بالتيمن، ويجوز أن يتعلق بالمحبة أو بهما على سبيل التنازع. قوله: (في طهوره)، بضم الطاء بمعنى طهره. قوله: (وترجله) أي: تمشيطه الشعر، قوله: (وتنعله) أي: لبسه النعل. فإن قلت: ما موقع: في طهوره، من الإعراب؟ قلت: بدل من: شأنه، بدل البعض من الكل فإن قلت: إذا كان كذلك يفيد استحباب التيمن في بعض الأمور، وتأكيد شأنه بالكل يفيد استحبابه في كلها قلت: هذا تخصيص بعد تعميم، وخص هذه الثلاثة بالذكر اهتماما بها وبيانا لشرفها، ولا مانع أن يكون بدل الكل من الكل، إذ الطهور مفتاح أبواب العبادات، والترجل يتعلق بالرأس، والتنعل بالرجل، وأحوال الإنسان إما أن تتعلق بجهة الفوق أو بجهة التحت أو بالأطراف، فجاء لكل منها بمثال. قلت: كيف قالت عائشة، رضي ا تعالى عنها (كان النبي يحب التيمن)، والمحبة أمر باطني، فمن أين علمت ذلك؟ قلت: عملت حبه بهذه الأشياء إما بالقرائن أو بإخباره، صلى ا تعالى وسلم، لها بذلك.
84 ((باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد)) أي: هذا باب يذكر فيه نبش قبور المشركون الذين هلكوا في الجاهلية، يعني: يجوز ذلك لما صرح به في حديث الباب فإن قلت: كيف يفسر كذلك وفيه كلمة: هل، للاستفهام؟ قلت: هل هنا للاستفهام التقريري، وليس بإستفهام حقيقي صرح بذلك جماعة من المفسرين، وقوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان) * (الإنسان: 1) ويأتي: هل، أيضا بمعنى: قد كذا فسر الآية جماعة، منهم ابن عباس والكسائي والفراء والمبرد، وذكر في (المقتضب) هل للاستفهام نحو: هل جاء زيد؟ وتكون بمنزلة: قد، نحو قوله تعالى: * (هل اتى على الإنسان) * (الإنسان: 1) وقد بالغ الزمخشري فزعم أنها أبدا بمعنى: قد وإنما الاستفهام مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في (المفصل) عن سيبويه، وقال في (الكشاف): * (هل أتى) * (الإنسان: 1) أي: قد أتى، على معنى التقرير والتقريب فيه جميعا، ومن عكس الزمخشري ههنا فقد عكس نفسه:
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»