عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٧٤
أم المؤمنين أيضا، واسمها: هند، على الأصح، بنت أبي أمية المخزومية، هاجر بها زوجها أبو سلمة إلى الحبشة، فلما رجعا إلى المدينة مات زوجها فتزوجها رسول ا، تقدمت في باب العظة بالليل. قوله: (ذكرتا)، بلفظ التثنية للمؤنث من الماضي، والضمير فيه يرجع إلى: أم حبيبة وأم سلمة، وهو على الأصح في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والحموي: (ذكرا)، بالتذكير وهو على خلاف الأصل، والأظهر أنه من النساخ أو من بعض الرواة غير المميزين. قوله: (كنيسة) بفتح الكاف، وهي معبد النصارى. وفي موضع آخر: يقال لها مارية، والمارية بتخفيف الياء: البقرة، وبتشديدها: القطاة الملساء. قوله: (رأينها)، بصيغة جمع المؤنث من الماضي، وإنما جمع باعتبار من كان مع أم حبيبة وأم سلمة، وفي رواية الكشميهني والأصيلي: (رأتاها)، على الأصل بضمير التثنية. قوله: (فيها تصاوير) جملة اسمية في محل النصب لأنها صفة كنيسة، والتصاوير: التماثيل. قوله: (إن أولئك)، بكسر الكاف ويجوز فتحها. قوله: (فمات)، عطف على قوله: (كان). قوله: (بنوا) جواب: إذا. قوله: (تيك الصور) بكسر التاء المثناة وسكون الياء آخر الحروف بدل اللام في: تلك، وهي لغة فيه، وهي في رواية المستملي وفي رواية غيره: (تلك).
قوله: (فأولئك)، ويروى: (وأولئك)، بالواو، والكلام فيه مثل الكلام في: أولئك، الماضية. قوله: (شرار الخلق)، بكسر الشين المعجمة جمع: الشر، كالخيار جمع الخير، والبحار جمع البحر، وأما الأشرار فقال يونس: واحدها شر أيضا. وقال الأخفش: شرير، مثل: يتيم وأيتام. قال القرطبي: إنما صور أوائلهم الصور ليأتنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون ا عند قبورهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر النبي عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك، وسدا للذرائع في قبره، وكان ذلك في مرض موته إشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لا ينسخ بعده، ولما احتاجت الصحابة، رضي ا تعالى عنهم، والتابعون إلى زيادة مسجده عليه الصلاة والسلام بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا تصل إليه العوام فيؤدي إلى ذلك المحذور، ثم بنوا جدارين بين ركني القبر الشمالي حرفوها حتى التقيا حتى لا يمكن أحد أن يستقبل القبر.
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام: قال ابن بطال: فيه: نهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن فعل التصاوير، وإنما نهى عنه لاتخاذهم القبور والصور آلهة. وفيه: دليل على تحريم تصوير الحيوان خصوصا الآدمي الصالح. وفيه: منع بناء المساجد على القبور ومقتضاه التحريم، كيف وقد ثبت اللعن عليه؟ وأما الشافعي وأصحابه فصرحوا بالكراهة، وقال البندنيجي: والمراد أن يسوى القبر مسجدا فيصلى فوقه، وقال: إنه يكره أن يبنى عنده مسجد فيصلى فيه إلى القبر، وأما المقبرة الداثرة إذا بني فيها مسجد ليصلى فيه فلم أر فيه بأسا، لأن المقابر وقف، وكذا المسجد، فمعناها واحد. وقد ذكرنا عن قريب مذاهب العلماء في الصلاة على القبر. وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا لعنهم النبي ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور. وفيه: جواز حكاية ما يشاهده المرء من العجائب، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به. وفيه: ذم فاعل المحرمات. وفيه: أن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل.
82498 حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال قدم النبي المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام النبي فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلي النبي على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلى حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وأنه
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»