7 ((كتاب التيمم)) الكلام فيه على وجوه. الأول: أن قبله (بسم ا الرحمن الرحيم) في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر بعده. وتقديم البسملة على الكتاب ظاهر للحديث الوارد فيه، وأما تأخيرها عن الكتاب فوجهه أن الكتب التي فيها التراجم مثل السور، حتى يقال سورة كذا وسورة كذا، والبسملة تذكر بعدها على رأس الأحاديث، كما تذكر على رؤوس الآيات ويستفتتح بها.
الثاني: وجه المناسبة بين هذا الكتاب والكتاب الذي قبله أن المذكور قبله أحكام الوضوء بالماء، والمذكور ههنا التيمم، وهو خلف عن الماء، فيذكر الأصل أولا ثم يذكر الخلف عقيبه.
الثالث: في إعرابه: وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب التيمم، والإضافة فيه بمعنى: في، أي: هذا كتاب في بيان أحكام التيمم، ويجوز نصب الكتاب بعامل مقدر تقديره. خذ، أو: هاك كتاب التيمم.
الرابع: في معنى التيمم: وهو مصدر تيمم تيمما من باب التفعل، وأصله من الأم وهو: القصد. يقول أمه يؤمه أما إذا قصده. وذكر أبو محمد في الكتاب (الواعي): يقال: أم وتأمم ويمم وتيمم بمعنى واحد، والتيمم أصله من ذلك، لأنه يقصد التراب فيتمسح به. وفي (الجامع) عن الخليل: التيمم يجري مجرى التوخي تقول: تيمم أطيب ما عندك فأطعمنا منه، أي: توخاه. وأجاز أن يكون التيمم العمد والقصد. وهذا الاسم كثر حتى صار اسما للتمسح بالتراب. قال الفراء: ولم أسمع: يممت بالتخفيف، وفي (التهذيب) لأبي منصور: التيمم التعمد، وهو ما ذكره البخاري في التفسير في سورة المائدة، ورواه ابن أبي حاتم وابن المنذر عن سفيان. قلت: التيمم في اللغة: مطلق القصد، قال الشاعر:
* ولا أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني؟
* وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر واستعماله بصفة مخصوصة، وهو مسح اليدين والوجه لاستباحة الصلاة وامتثال الأمر.
الخامس: الأصل فيه الكتاب، وهو قوله تعالى: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (النساء: 34، والمائدة: 6) والسنة وهي أحاديث الباب وغيره، والإجماع على جوازه للمحدث وفي الجنابة أيضا، وخالف فيه عمر بن الخطاب وابن مسعود والنخعي والأسود كما نقله ابن حزم، وقد ذكروا رجوعهم عن هذا.
السادس: أن التيمم فضيلة خصت بها هذه الأمة دون غيرها من الأمم.
وقول الله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (المائدة: 6).
وقع في رواية الأصيلي: قول ا، بلا: واو، فوجهه أن يكون مبتدأ وخبره هو قوله: * (فلم تجدوا) * (النساء: 36، المائدة: 6)، والمعنى: قول في شأن التيمم هذه الآية، وفي رواية غيره؟ بواو العطف على كتاب التيمم، والتقدير: وفي بيان قول الله تعالى * (فلم تجدوا) *. وقال بعضهم: الواو استئنافية، وهو غير صحيح لأن الاستئناف جواب عن سؤال مقدر وليس لهذا محل ههنا، فإن قال: هذا القائل: مرادي الاستئناف اللغوي. قلت: هذا أيضا غير صحيح، لأن الاستئناف في اللغة الإعادة ولا محل لهذا المعنى ههنا. فافهم. قوله: (فلم تجدوا ماء) القرآن هكذا في سورة النساء والمائدة، ورواية الأكثرين على هذا وهو الصواب، وفي رواية النسفي وعبدوس والحموي والمستملي: (فإن لم تجدوا)، ووقع التصريح به في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله تعالى