راحلته ناقة تسمى القصواء.
قوله: (وأبو بكر ردفه)، جملة اسمية في موضع النصب على الحال، والردف بكسر الراء وسكون الدال: المرتدف، وهو الذي يركب خلف الراكب. وأردفته أنا إذا أركبته معك، وذاك الموضع الذي يركبه: رداف، وكل شيء تبع شيئا فهو: ردفه. وكان لأبي بكر ناقة، فلعله تركها في بني عمرو بن عوف لمرض أو غيره، ويجوز أن يكون ردها إلى مكة ليحمل عليها أهله، وثم وجه آخر حسن وهو: أن ناقته كانت معه، ولكنه ما ركبها لشرف الارتداف خلفه، لأنه تابعه والخليفة بعده. قوله: (وملأ بني النجار حوله) جملة اسمية حالية أيضا و: الملأ، أشراف القوم ورؤساؤهم، سموا بذلك لأنهم ملاء بالرأي والغنى، والملأ: الجماعة، والجمع أملاء. وقال ابن سيده: وليس الملأ من باب: رهط، وإن كان اسمين، لأن رهطا لا واحد له من لفظه، والملأ: رجل مالىء جليل ملأ العين بجهرته، فهو كالعرب والزوج، حكى ملأته على الأمر أملؤه وملأته كذلك، أي: شاورته، و: ما كان الأمر عن ملأ منا أي: عن تشاور وإجماع. قوله: (ألقى) أي: حتى ألقى رحله والمفعول محذوف، يقال: ألقيت الشيء إذا طرحته. وقوله: (بفناء أبي أيوب) أي: بفناء دار أبي أيوب، الفناء، بكسر الفاء: سعة أمام الدار والجمع أفنية، وفي (المجمل): فناء الدار ما امتد من جوانبها. وفي (المحكم): وتبدل الباء من الفاء. واسم أبي أيوب: خالد بن زيد الأنصاري، رضي ا تعالى عنه، وقد ذكرناه عن قريب، وفي (شرف المصطفى): لما نزلت الناقة عند دار أبي أيوب جعل جبار ابن صخر ينخسها برجله، فقال أبو أيوب: يا جبار، أعن منزلي تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لولا الإسلام لضربتك بالسيف قلت: جبار بن صخر بن أمية بن خنساء السلمي، ويقال: جابر بن صخر الأنصاري، شهد العقبة وبدرا وهو صحابي كبير، روى محمد بن إسحاق عن أبي سعد الخطمي سمع جبار بن عبد الله قال: (صليت خلف رسول الله أنا وجابر بن صخر فأقامنا خلفه). والصحيح: أن اسمه: جبار بن صخر. وذكر محمد بن إسحاق في كتاب (المبتدأ وقصص الأنبياء)، عليهم الصلاة والسلام، تأليفه: أن تبعا وهو ابن حسان لما قدم مكة قبل مولد رسول ا، بألف عام، وخرج منها إلى يثرب وكان معه أربع مائة رجل من الحكماء، فاجتمعوا وتعاقدوا على أن لا يخرجوا منها، وسألهم تبع عن سر ذلك فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن نبيا اسمه محمد هذه دار مهاجره، فنحن نقيم لعل أن نلقاه، فأراد تبع الإقامة معهم، ثم بني لكل واحد من أولئك دار، واشترى له جارية وزوجها منه، وأعطاهم مالا جزيلا، وكتابا فيه إسلامه وقوله:
شهدت على أحمد أنه رسول من ا بارىء النسم في أبيات، وختمه بالذهب ودفعه إلى كبيرهم، وسأله أن يدفعه إلى محمد إن أدركه وإلا من أدركه من ولده، وبني للنبي دارا ينزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدار الملاك إلى أن صارت لأبي أيوب، رضي ا تعالى عنه وهو من ولد ذلك العالم الذي دفع إليه الكتاب، قال: وأهل المدينة من ولد أولئك العلماء الأربع مائة، ويزعم بعضهم أنهم كانوا الأوس والخررج، ولما خرج رسول ا صلى تعالى عليه وآله وسلم، أرسلوا إليه كتاب تبع مع رجل يسمى أبا ليلى، فلما رآه قالت: أنت أبو ليلى ومعك كتاب تبع الأول، فبقي أبو ليلى متفكرا ولم يعرف النبي، فقال: من أنت فإني لم أر في وجهك أثر السحر، وتوهم أنه ساحر، فقال: أنا محمد، هات الكتاب. فلما قرأه، قال: مرحبا بتبع الأخ الصالح، ثلاث مرات، وفي سيرة ابن إسحاق: اسمه تبان أسعد أبو كرب، وهو الذي كسى البيت الحرام، وفي (مغايص الجوهر في أنساب حمير): كان يدين بالزبور، وفي (معجم الطبراني): (لا تسبوا تبعا). وقال الثعلبي بإسناده إلى سهل بن سعد، رضي ا تعالى عنه، إنه قال: (سمعت رسول الله يقول: لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم). وأخرجه أحمد في مسنده.
وتبع، بضم التار المثناة من فوق وفتح الباء المشددة وفي آخره عين مهملة: لقب لكل من ملك اليمن، ككسرى لقب لكل من ملك الفرس، وقيصر لكل من ملك الروم، وقال عكرمة: إنما سمي لكثرة أتباعه، وكان يعبد النار، فسألم قال: وهذا تبع الأوسط، قال: وأقام ملكا ثلاثا وثلاثين سنة، وقيل: ثمانين سنة. وقال ابن سيرين: هو أول من كسى البيت وملك الدنيا والأقاليم بأسرها، وحكى القاسم بن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز أنه قال: كان إذا عرض الخيل قاموا صفا من دمشق إلى صنعاء، وهذا بعيد إن أراد به صنعاء اليمن، لأن بينها وبين دمشق أكثر من شهرين، والظاهر أنه أراد بها صنعاء دمشق، وهي قرية على باب دمشق من ناحية