عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٥٤
الصلاة يسمى مصليا. الثالث: فيه أن هذه الفضيلة المذكورة لمن لا يحدث. وقوله: (ما لم يحدث) أعم من أن يكون فساء أو ضراطا أو غيرهم من نواقض الوضوء من المجمع عليه والمختلف فيه. وقال الكرماني: فإن قلت: الحدث ليس منحصرا في الضرطة. قلت: المراد الضرطة ونحوها من الفساء وسائر الخارجات من السبيلين، وإنما خصص بها لأن الغالب أن الخارج منهما في المسجد لا يزيد عليها. قلت: السؤال عام والجواب خاص، وينبغي أن يطابق الجواب والسؤال، ولكن فهم أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه، أن مقصود هذا السائل الحدث الخاص، وهو الذي يقع في المسجد حالة الانتظار، والعادة أن ذلك لا يكون إلا الضرطة، فوقع الجواب طبق السؤال، وإلا فأسباب النقض كثيرة.
177 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
(انظر الحديث 137 وطرفه).
قال بعضهم: أورد البخاري هذا الحديث هنا لظهور دلالته على حصر النقض بما يخرج من السبيلين. قلت: هذا قطعة من حديث عبد الله بن زيد، وهو جواب للرجل الذي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجد الشيء في الصلاة، حتى يخيل إليه. فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا، وهو جواب مطابق للسؤال، لأن سؤاله عن هذا وهو في حالة الصلاة، وفي حالة الصلاة لا يوجد غالبا إلا ضراط أو فساء. فأجاب صلى الله عليه وسلم بأنه لا ينصرف حتى يجد أحد هذين الشيئين، وليس هذا حصر النقض بما يخرج من السبيلين، فالقائل المذكور، وإن كان أراد بهذا الكلام نصرة البخاري وتوجيه وضع هذا الحديث في هذا الباب لما ذكره، فليس بشيء.
بيان رجاله وهم خمسة. الأول: أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي، هذا الذي قاله الأكثرون وفيهم هشام بن عمار، ويكنى بأبي الوليد، وروي أيضا عن ابن عيينة، ويروي عنه البخاري أيضا فيحتمل أن يكون هذا. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: عباد، بتشديد الباء الموحدة: ابن تميم الأنصاري. الخامس: عمه عبد الله بن زيد المازني رضي، الله تعالى عنه.
بيان لطائف اسناده: منها: أن فيه التحديث والعنعنة. ومنها: أن رواته أئمة أجلاء. ومنها: أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الطهارة أيضا عن علي بن عبد الله وأبي الوليد، فرقهما. وفي البيوع عن أبي نعيم. وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعمرو الناقد. وأخرجه أبو داود فيه عن قتيبة ومحمد ابن أحمد بن أبي خلف. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ومحمد بن منصور. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن صباح، عشرتهم عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم عن عمه عن عبد الله بن زيد به.
بيان المعاني والإعراب قوله: (لا ينصرف) أي: المصلي عن صلاته، لأن تمام الحديث: (شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا). وفي رواية (لا ينفلت) بمعنى: لا ينصرف، وكلمة: حتى، للغاية. وكلمة: ان، مقدرة بعدها، وإنما ذكر شيئين وهما: سماع الصوت ووجدان الرائحة، حتى يتناول الأصم والأخشم، وقد استوفينا الكلام فيه في باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن.
178 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا جرير عن الاعمش عن منذر أبي يعلى الثوري عن محمد بن الحنفية قال: قال علي كنت رجلا مداء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت المقداد بن الاسود فسأله فقال فيه الوضوء.
(انظر الحديث: 132 وطرفه).
تقدم الكلام فيه مستوفى: في آخر كتاب العلم، وجرير هو ابن عبد الحميد، والأعمش هو سليمان بن مهران، وذكر الكل فيما مضى. وقال بعضهم: أورد البخاري في هذا الباب هذا الحديث لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي. وهو خارج من أحد المخرجين. قلت: هذا مجمع عليه وليس له مطابقة للترجمة. فافهم.
ورواه شعبة عن الاعمش
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»