عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٤٩
قال: (من ضحك في الصلاة قرقرة فليعد الوضوء). والخامس: حديث جابر أخرجه الدارقطني. والسادس: حديث أبي المليح بن أسامة، أخرجه الدارقطني أيضا. والسابع: حديث رجل من الأنصار: (أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كان يصلي، فمر رجل في بصره سوء فتردى في بئر وضحك طوائف من القوم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة)، رواه الدارقطني، وقال بعضهم حاكيا عن ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة، واختلفوا إذا وقع فيها فخالف من قال بالقياس الجلي، وتمسكوا بحديث لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله، عليه الصلاة والسلام، الذين هم خير القرون، أن يضحكوا بين يدي الله سبحانه خلف رسول الله، عليه الصلاة والسلام. قلت: هذا القائل أعجبه هذا الكلام المشوب بالطعن على الأئمة الكبار، وفساده ظاهر من وجوده: الأول: كيف يجوز التمسك بالقياس مع وجود الأخبار المشتملة على مراسيل مع كونها حجة عندهم. والثاني قوله: تمسكوا بحديث لا يصح، وليس الأمر كذلك، بل تمسكوا بالأحاديث التي ذكرناها وإن كان بعضهم قد ضعف منها، فبكثرتها واختلاف طرقها ومتونها ورواتها تتعاضد وتتقوى على ما لا يخفى، ومع هذا فإن الرواة الذين فيها من الضعفاء على زعم الخصم لا يسلمه من يعمل بأحاديثهم، ولم يسلم أحد من التكلم فيه. والثالث: قوله: حاشا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره، ليس بحجة في ترك العمل في الأخبار المذكورة، وكان يصلي خلف النبي، صلى الله عليه وسلم الصحابة وغيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، وهذا من باب حسن الظن بهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغائر بمعصومين ولا عن الكبائر، على تقدير كونه كبيرة، ومع هذا وقع من الأحداث في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أشد من هذا. وقال القائل المذكور، بعد نقله كلام ابن المنذر الذي ذكرناه: على أنهم لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك، بل خصوه بالقهقهة. قلت: هذا كلام من لا ذوق له من دقائق التراكيب، وكيف لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك، ولو لم يأخذوا ما قالوا: الضحك يفسد الصلاة ولا خصوه بالقهقهة؟ فإن لفظه القهقهة ذكر صريحا كما جاء في حديث ابن عمر صريحا. وجاء أيضا لفظ: القرقرة، في حديث عمران بن حصين. وقد ذكرناهما قريبا، وقد ذكرنا أن الأحاديث يفسر بعضها بعضا.
وقال الحسن: إن أخذ من شعره وأظفاره أو خلع خفيه فلا وضوء عليه أي قال الحسن البصري، رضي الله عنه، وهذه مسألتان ذكرهما بالتعليق. التعليق الأول: وهو قوله: (ان اخذ من شعره أو أظفاره) أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحيح موصولا، وبه قال أهل الحجاز والعراق. وعن أبي العالية والحكم وحماد ومجاهد إيجاب الوضوء في ذلك، وقال عطاء والشافعي والنخعي: يمسه الماء. وقال أصحابنا الحنفية: ولو حلق رأسة بعد الوضوء، أو جز شاربه أو قلم ظفره أو قشط خفه بعد مسحه فلا إعادة عليه. وقال ابن جرير: وعليه الإعادة. وقال إبراهيم: عليه إمرار الماء على ذلك الموضع. والتعليق الثاني: وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن هشام عن يونس عنه قوله: (أو خلع خفيه) قيد بالخلع لأنه إذا أخذ من خفيه بمعنى قشط من موضع المسح فلا وضوء عليه، وأما لو خلع خفيه بعد المسح عليهما ففيه أربعة أقوال: فقال مكحول والنخعي وابن أبي ليلى والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق: يستأنف الوضوء، وبه قال الشافعي في القول القديم. والقول الثاني: يغسل رجليه مكانه فإن لم يفعل استأنف الوضوء، وبه قال مالك والليث. والثالث: يغسلهما إذا أراد الوضوء، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في (الجديد) والمزني وأبو ثور. والرابع: لا شيء عليه ويغسل كما هو، وبه قال الحسن وقتادة، وروي مثله عن النخعي.
وقال أبو هريرة لا وضوء من حدث هذا التعليق وصله إسماعيل القاضي في (الأحكام) بإسناد صحيح من حديث مجاهد عنه موقوفا، ورواه أبو عبيد في كتاب (الطهور) بلفظ (لا وضوء إلا من حدث أو صوت أو ريح). وقال بعضهم: ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا. قلت: الذي رواه أبو داود غير ما روي عن أبي هريرة، وخلافة على ما تقف عليه الآن. وقال الكرماني: معنى (لا وضوء إلا من حدث): لا وضوء إلا من الخارج من السبيلين. قلت: الحدث أعم من هذا، وكل واحد من الإغماء والنوم والجنون حدث، وجميع الأئمة يقولون: لا وضوء إلا من حدث؛ فإن اعتمد الكرماني في هذا
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»