لأن النضح يكون في لسان العرب مرة الغسل ومرة الرش، وفيه نظر لما تقدم من عند ابن ماجة، وكذلك رواه أبو داود في (سننه) عن القعنبي، وذكر الدارقطني في كتاب (أحاديث الموطأ): أن أبا مصعب وأحمد بن إسماعيل المدني وأبي وهب وعبد الله بن يونس ويحيى بن بكير والشافعي وابن القاسم وعتبة بن عبد الله وأبا علي الحنفي وإسحاق بن عيسى والقاسم ابن يزيد رووه عن مالك بلفظ: (فلينضح)، إلا ابن وهب فان في بعض ألفاظه: (فليغسل). فلو كان أبو عمر عكس قوله لكان صوابا من فعله. وقال ابن حبان: قد يتوهم بعض المستمعين لهذه الأخبار أن بينها تضادا وتهاترا، وليس كذلك، لأنه يحتمل أن يكون علي أمر عمارا أن يسأله، فسأله. ثم أمر المقداد أن يسأله فسأله، ثم سأل هو بنفسه والدليل على صحة ما ذكرت أن متن كل خبر بخلاف متن الآخر ففي خبر عبد الرحمن: (إذا رأيت الماء فاغسل ذكرك، وإذا رأيت المني فاغتسل). وفي خبر إياس بن خليفة عن عمار: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، وليس فيه ذكر المني، وخبر المقداد مستأنف ينبئك أنه ليس بالسؤالين اللذين ذكرناهما، لأن فيه سؤالا عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، فذلك ما وصفنا. على أن هذه أسئلة متباينة في مواضع مختلفة لعلل موجودة.
وقال صاحب (التلويح): وقد ورد في حديث حسن الإسناد أن النبي، عليه الصلاة والسلام، هو السائل له، ثم رواه بإسناده إلى أن قال علي، رضي الله تعالى عنه: (رآني النبي، عليه الصلاة والسلام، وقد شحبت، فقال: يا علي قد شحبت. قلت: شحبت من اغتسال الماء وأنا رجل مذاء، فإذا رأيت منه شيئا اغتسلت. قال: لا تغتسل يا علي). ثم قال صاحب (التلويح): فيحتمل أن يكون علي، رضي الله عنه، لما بعث من بعث رآه، عليه الصلاة والسلام، في غضون البعثة شاحبا، ونزل على جوابه عن ذلك بمنزلة السؤال ابتداء تجوزا. وفي (سنن البيهقي الكبير) من حديث ابن جريج عن عطاء أن عليا، رضي الله تعالى عنه، كان يدخل في إحليله الفيلة من كثرة المذي، وفي حديث حسان بن عبد الرحمن الضبعي عند أبي موسى المديني في معرفة الصحابة بسند لا بأس به، قال، عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتم من المذي كان أشد عليكم من الحيض). وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني وقال: (لا يصح أن رجلا قال: يا رسول الله! إني كلما توضأت سال، فقال: إذا توضأت فسال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك).
180 حدثنا إسحاق هو ابن منصور قال أخبرنا النضر قال أخبرنا شعبة عن الحكم عن ذكوان أبي صالح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل من الانصار فجاء ورأسه يقطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلنا أعجلناك فقال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعجلت أو قحطت فعليك الوضوء.
هذا الحديث لا يناسب ترجمة الباب إلا أن بعض الشراح قال: أقل حال هذا الحديث حصول المذي لمن جامع ولم يمن، فصدق عليه وجوب الوضوء من الخارج من أحد السبيلين، ولكن يعكر عليه إجماع أهل العلم وأئمة الفتوى على وجوب الغسل من مجاوزة الختانن الختان لأمر الشارع بذلك، وهو زيادة على ما في هذا الحديث، فيجب الأخذ بها.
بيان رجاله وهم ستة: الأول: إسحاق بن منصور، هذه رواية الأصيلي وفي رواية كريمة وغيرها: إسحاق، كذا بلا ذكر: منصور، وفي رواية أبي ذر: حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام، بفتح الباء الموحدة: وهو المعروف بالكوسج المروزي، مر في باب فضل من علم، وهو الأصح، نص عليه أبو نعيم رحمه الله في (المستخرج) الثاني: النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل، بضم الشين المعجمة: ابن والحسن المازني البصري، تقدم في آخر باب حمل العنزة في الاستنجاء. الثالث: شعبة بن الحجاج. الرابع: الحكم، بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف: ابن عتيبة، تصغير عتبة الباب، تقدم في باب السمر بالعلم. الخامس: أبو صالح ذكوان الزيات المدني، تقدم في باب أمور الإيمان وغيره. السادس: أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث والعنعنة والإخبار. ومنها: أن رواته ما بن مروزي وبصري وواسطي وكوفي ومدني.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ليس له تعدد. وأخرجه مسلم في الطهارة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن غندر عن شعبة به. وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن بشار به.