والزوجة. وأما في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه فقال أبو الحسين البصري الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به ولما فسرت المعتزلة الرزق بهذا لا جرم قالوا الحرام لا يكون رزقا وقال أهل السنة الحرام رزق لأنه في أصل اللغة الحظ والنصيب كما ذكرنا فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظا له ونصيبا فوجب أن يكون رزقا له وأيضا قال الله تعالى * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة فوجب أن نقول طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا قوله ' وما الأجل ' ويروى ' والأجل ' بدون كلمة ما والأجل هو الزمان الذي علم الله أن الشخص يموت فيه أو مدة حياته لأنه يطلق على غاية المدة وعلى المدة قوله ' فيكتب ' على صيغة المعلوم قيل الضمير الذي هو فاعله هو الله تعالى وقيل يرجع إلى الملك ويروى على صيغة المجهول وهذه الكتابة يجوز أن تكون حقيقة لأنه أمر ممكن والله على كل شيء قدير ويجوز أن تكون مجازا عن التقدير قوله ' في بطن أمه ' ظرف لقوله ' يكتب ' وهو المكتوب فيه والشخص هو المكتوب عليه كما تقول كتبت في الدار فإن في الدار ظرف لقولك كتبت والمكتوب عليه خارج عن ذلك والتقدير أزلي وهو أمر عقلي محض ويسمى قضاء والحاصل في البطن تعلقه بالمحل الموجود ويسمى قدرا والمكتوب هو الأمور الأربعة المذكورة (ذكر ما يستنبط منه من الفوائد وغيرها من الأحكام) اعلم أن هذا الحديث جامع لجميع أحوال الشخص إذ فيه من الأحكام بيان حال المبدأ وهو ذاته ذكرا وأنثى وحال المعاد وهو السعادة والشقاوة وما بينهما وهو الأجل وما يتصرف فيه وهو الرزق. وقد جاء أيضا ' فرغ الله من أربع من الخلق والخلق والأجل والرزق ' والخلق بفتح الخاء إشارة إلى الذكورة والأنوثة وبضمها السعادة وضدها وقال المهلب أن الله تعالى علم أحوال الخلق قبل أن يخلقهم وهو مذهب أهل السنة. وأجمع العلماء أن الأمة تكون أم ولد بما أسقطته من ولد تام الخلق. واختلفوا فيمن لم يتم خلقه من المضغة والعلقة فقال الأوزاعي ومالك تكون بالمضغة أم ولد مخلقة كانت أو غير مخلقة وتنقضي بها العدة وعن ابن القاسم تكون أم ولد بالدم المجتمع وعن أشهب لا تكون أم ولد وتكون بالمضغة والعلقة وقال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما إن كان قد تبين في المضغة شيء من الخلق أصبع أو عين أو غير ذلك فهي أم ولد وعلى مثله هذا انقضاء العدة. ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل والسعادة والشقاوة والعمل والذكورة والأنوثة أنه يظهر ذلك للملك ويؤمر بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاء الله وعلمه وإرادته سابق على ذلك قال القاضي عياض ولم يختلف أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوما وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام من الاستلحاق ووجوب النفقات وذلك للثقة بحركة الجنين في الجوف وقيل أن الحكمة في عدتها عن الوفاة بأربعة أشهر والدخول في الخامس تحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل ونفخ الملك في الصورة سبب لخلق الله عنده فيها الروح والحياة لأن النفخ المتعارف إنما هو إخراج ريح من النافخ فيصل بالمنفوخ فيه فإن قدر حدوث شيء عند ذلك النفخ بإحداث الله تعالى لا بالنفخ وغاية النفخ أن يكون سببا عادة لا موجبا عقلا وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة 18 ((باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة)) أي: هذا باب في بيان كيفية إهلال الحائض بالحج أو العمرة، والمراد من الكيفية: الحال من الصحة والبطلان والجواز وغير الجواز، فكأنه قال: باب صحة إهلال الحائض بالحج أو بالعمرة، أو: باب جوازها. والمقصود من الصحة أعم من أن تكون في الابتداء أو في الدوام.
والمناسبة بين البابين من حيث إن البخاري أراد من وضع الباب السابق الإشارة إلى أن الحامل لا تحيض، وهو حكم من أحكام الحيض. وفي هذا الباب أيضا حكم من أحكام الحيض، وفيه نوع من تعسف، وفي بعض النسخ هذا الباب قد ذكر قبل الباب السابق.