عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٩٣
أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب ' وهو موقوف لفظا مرفوع حكما لأن الإخبار عن شيء لا يدركه العقل محمول على السماع (ذكر رجاله) وهم أربعة. الأول مسدد بن مسرهد * الثاني حماد بن زيد البصري * الثالث عبيد الله بلفظ الصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك أبو معاوية الأنصاري. الرابع أنس بن مالك وهو جده يروي عنه.
(ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه الرواية عن الجد (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في خلق بني آدم عن أبي النعمان وفي القدر عن سليمان بن حرب وأخرجه مسلم في القدر عن أبي كامل الجحدري الكل عن حماد بن زيد (ذكر لغاته) قوله ' نطفة ' بضم النون قال الجوهري النطفة الماء الصافي قل أو كثر والجمع النطاف ونطفان الماء سيلانه وقد نطف ينطف وينطف من باب نصر ينصر وضرب يضرب وليلة نطوف تمطر إلى الصباح ويقال جمع النطفة نطف أيضا وكل شيء خفي نطفة ونطافة حتى أنهم يسمون الشيء الخفي بذلك وأصله للماء القليل يبقى في الغدير أو السقاء أو غيره من الآنية ويقال له ما دام نطفة صراة ذكره ابن سيده في المخصص قوله ' علقة ' بفتح اللام قال الأزهري في التهذيب العلقة الدم الجامد الغليظ ومنه قيل لهذه الدابة التي تكون في الماء علقة لأنها حمراء كالدم وكل دم غليظ علق وفي الموعب العلق الدم ما كان وقيل هو الجامد قبل أن ييبس وقيل هو ما اشتدت حمرته والقطعة منه علقة وفي المغيث هو ما انعقد وقيل اليابس كأن بعضه علق ببعض تعقدا ويبسا قوله ' مضغة ' قال الجوهري المضغة قطعة لحم وفي الغريبين وجمعها مضغ ويقال مضيغة وتجمع على مضائغ ويقال المضغة اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ وفي المحكم قال عمر بن الخطابي رضي الله تعالى عنه إنا لا نتغافل المضغ بيننا أراد الجراحات وسماها مضغا على التشبيه بمضغة الإنسان في حلقه يذهب بذلك إلى تصغيرها وتقليلها (ذكر معناه ونكاته) قوله ' وكل ' بالتشديد كما في قوله تعالى * (ملك الموت الذي وكل بكم) * وظاهر قوله ' أن الله وكل بالرحم ملكا ' يدل على أن بعثه إليه عند وقوع النطفة في الرحم ولكن فيه اختلاف الروايات ففي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ' أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ' وظاهره إرسال الملك بعد الأربعين الثالثة وفي رواية ' يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول يا رب شقي أو سعيد ' وعند مسلم ' إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون أو ثلاثة وأربعون أو خمسة وأربعون ' وفي أخرى ' إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ' وفي رواية حذيفة بن أسيد ' أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك ' وفي أخرى ' أن ملكا وكل بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة ' وجمع العلماء بين ذلك بأن الملائكة لازمة ومراعية بحال النطفة في أوقاتها وأنه يقول يا رب هذه نطفة هذه علقة هذه مضغة في أوقاتها وكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى وهو أعلم. ولكلام الملك وتصرفه أوقات. أحدها حين يكون نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول علم الملك أنه ولد إذ ليس كل نطفة تصير ولدا وذلك عقيب الأربعين الأولى وحينئذ يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم للملك فيه تصرف آخر وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وكونه ذكرا أو أنثى وذلك إنما يكون في الأربعين الثانية وهي مدة المضغة وقبل انقضاء هذه الأربعين وقبل نفخ الروح لأن النفخ لا يكون إلا بعد تمام صورته والرواية السالفة ' إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ' ليست على ظاهره قاله عياض وغيره بل المراد بتصويرها وخلق سمعها إلى آخره أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لأن التصوير عقيب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثانية وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة) * الآية ثم يكون للملك فيه تصرف آخر وهو وقت نفخ الروح عقيب الأربعين الثالثة حتى يكمل له أربعة أشهر. واتفق العلماء أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر ودخوله في الخامسة وقال الراغب وذكر الأطباء أن الولد إذا كان ذكرا يتحرك بعد ثلاثة أشهر وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر (فإن قلت) وقع في رواية
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»