ولا يملك الزوج العدة إذا كانت له. وروي أيضا بإسناد حسن عن ابن عمر، قال: لا يحل لها إذا كانت حائضا أن تكتم حيضها، ولا إن كانت حاملا أن تكتم حملها. وعن مجاهد: لا تقول: إني حائض، وليست بحائض، ولا لست بحائض وهي حائض، وكذا في الحبل.
ويذكر عن علي وشريح إن امرأة جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثا في شهر صدقت الكلام فيه على أنواع.
الأول: أن عليا هذا هو ابن أبي طالب، وشريحا هو ابن الحارث بالمثلثة الكندي أبو أمية الكوفي، ويقال: إنه من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، استقضاه عمر، رضي الله تعالى عنه، على الكوفة وأقره من بعده إلى أن ترك هو بنفسه زمن الحجاج، كان له مائة وعشرون سنة، مات سنة ثمانية وتسعين، وهو أحد الأئمة.
الثاني: أن هذا تعليق بلفظ التمريض، ووصله الدارمي: أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر هو الشعبي، قال: (جاءت امرأة إلى علي، رضي الله تعالى عنه، تخاصم زوجها طلقها، فقالت: حضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح: إقض بينهما. قال: يا أمير المؤمنين، وأنت هاهنا؟ قال: إقض بينهما. قال: إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته يزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها. وإلا فلا. قال علي، رضي الله تعالى عنه: قالون). ومعناه بلسان الروم: أحسنت. ورواه ابن حزم، وقال: رويناه عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي: (أن عليا، رضي الله تعالى عنه، أتى برجل طلق امرأته فحاضت ثلاث حيض في شهر أو خمس وثلاثين ليلة، فقال علي لشريح: إقض فيها. فقال: إن جاءت بالبينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطهر الذي هو الطمث، وتغتسل عند كل قرء وتصلي فيه، فقد انقضت عدتها. وإلا فهي كاذبة. فقال علي بن أبي طالب: قالون). ومعناه: أصبت. قال ابن حزم: هذا نص قولها. انتهى. واختلف في سماع الشعبي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فقال الدارقطني: لم يسمع منه إلا حرفا ما سمع غيره. وقال الحازمي: لم تثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من علي. وقال ابن القطان: منهم من يدخل بينه وبينه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسنه محتملة لإدراك علي. وقال صاحب (التلويح): فكأن البخاري لمح هذا في علي لا في شريح، لأنه مصرح فيه بسماع الشعبي منه، فينظر في تمريضه الأثر عنه، على رأي من يقول: إنه إذا ذكر شيئا بغير صيغة الجزم لا يكون صحيحا عنده، وكأنه غير جيد، لأنه ذكر في العتمة. ويذكر عن أبي موسى: كنا نتناوب بصيغة التمريض، وهو سند صحيح عنده.
النوع الثالث: في معناه: فقوله: (إن جاءت) في رواية كريمة: (ان المرأة جاءت) بكسر النون (ببينة من بطانة أهلها) أي خواصها. وقال القاضي إسماعيل: ليس المراد أن تشهد النساء أن ذلك وقع، وإنما هو فيما نرى أن يشهدن أن هذا يكون، وقد كان في نسائهن وفيه نظر، لأن سياق هذا الحديث يدفع هذا التأويل، لأن الظاهر منه أن المراد أن يشهدن بأن ذلك وقع منها، وكأن مراد إسماعيل رد هذه القصة إلى موافقة مذهبه. ومذهب أبي حنيفة أن المرأة لا تصدق في انقضاء العدة في أقل من ستين يوما. وعن محمد بن الحسن، فيما حكاه ابن حزم عنه أربعة وخمسين يوما. وعن أبي يوسف: تصدق في تسعة وثلاثين يوما. قال ابن بطال: وبه قال محمد بن الحسن والثوري. وعن الشافعي: تصدق في ثلاثة وثلاثين يوما. وعن أبي ثور: في سبعة وأربعين يوما. وذكر ابن أبي زيد عن سحنون: أقل العدة أربعون يوما.
النوع الرابع: في أن هذا الأثر يطابق الترجمة في قوله: (وما يصدق النساء) إلى آخره، لأن المراد: ما يصدق النساء فيما يمكن من المدة، والشهر يمكن فيه ثلاث حيض خصوصا على مذهب مالك والشافعي فإن أقل الحيض عند مالك في حق العدة ثلاثة أيام، وفي ترك الصلاة والصوم وتحريم الوطىء دفعة، وعند الشافعي في الأشهر إن أقله يوم وليلة، وهو قول أحمد: فإن قلت عندكم أيها الحنفية أقل الحيض ثلاثة أيام، فلم شرطتم في تصديقها بستين يوما على مذهب أبي حنيفة؟ قلت: لأن أقل الطهر عندنا خمسة عشر يوما، فإذا أقرت بانقضاء عدتها لم تصدق في أقل من ستين يوما، لأنه يجعل كأنه طلقها أول الطهر وهو خمسة عشر، وحيضها خمسة اعتبارا للعادة، فيحتاج إلى ثلاثة أطهار وثلاث حيض.