عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٩١
أشرف، ولا يلزم الدخول فيه، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة، أقام في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة أيام قوله: (فليهل)، بتشديد اللام في رواية الأكثرين، في رواية الأصيلي، (فليهلل)، يفك الإدغام أي: فليحرم بها. قوله: (أهديت) أي: سقت الهدي، وإنما كان وجود الهدي علة لانتفاء الإحرام بالعمرة، لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحره، ولا ينحره إلا يوم النحر، والمتمتع يتحلل قبل يوم النحر، فهما متنافيان. قوله: (فأهل بعضهم بعمرة) أي: صاروا متمتعين، وبعضهم محج أي: صاروا مفردين. قوله: (دعي عمرتك) قال الكرماني: أي: أفعالها لأنفسها، قلت: قد ذكرنا في الباب السابق أنه أمرها بالترك حقيقة، وذكرنا وجهة. قوله: (ليلة الحصبة) كلام إضافي مرفوع وكان تامة أن التمتع أفضل من الإفراد فماذا قال الشافعي في دلعه؟ قلت: أنه صلى الله عليه وسلم إنما قاله من أجل من فسخ الحجر إلى العمرة والذي هو خاص بهم في تلك السنة خاصة لمخالفة الجاهلية من حيث حرموا العمرة في أشهر الحجر، ولم يرد بذلك، التمتع الذي فيه الخلاف وقال هذا تطيبا لقلوب أصحابه، وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إليها لإرادتهم موافقته صلى الله عليه وسلم، ومعناه، ما يمنعني من موافقتكم مما أمرتكم به إلا سوقي الهدي، ولولاه لوافقتكم قلت: الرواية عن أبي حنيفة أن الإفراد أفضل من التمتع كمذهب الشافعي، ولكن المذهب التمتع أفضل من الإفراد لأن فيه جمعا بين عبادتي العمرة والحج في سفر واحد، فأشبه القران. قوله: (قال هشام) أي: ابن عروة، هذا يحتمل التعليق، ويحتمل أن يكون عطفا من جهة المعنى على لفظ هشام، ثم قول هشام: يحتمل أن يكون معلقا، ويحتمل أن يكون متصلا بالإسناد المذكور، والظاهر الأول.
ثم اعلم أن ظاهر قول هشام مشكل، فإنها إن كانت قارنة فعليها هدي القرآن عند كافة العلماء، إلا داود وإن كانت متمتعة فكذلك، لكنها كانت فاسخة كما سلف، ولم تكن قارنة ولا متمتعة، وإنما أحرمت بالحج ثم نوت فسخه في عمرة، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها فلما أكملته اعتمرت عمرة مستبدأة، نبه عليه القاضي، لكن يعكر عليه قولها: وكنت ممن أهل بعمرة، وقولها: ولم أهل إلا بعمرة، ويجاب بأن هنا مآلما لم يبلغه ذلك أخبر بنفيه، ولا يلزم من ذلك نفيه من نفس الأمر، ويحتمل أن يكون لم يأمر به، بل نوى أنه يقولم به عنها، بل روى جابر، رضي الله تعالى عنه، أنه عليه الصلاة والسلام، أهدى عن عائشة بقرة وقال القاضي عياض فيه دليل على أنها كانت في حجر مفرد لا تمتع ولا قران، لأن العلماء مجمعون على وجوب الدم فيهما.
سميرة كتاب الحيض من صفحة 291 الفايل الثالث 17 ((باب مخلقة وغير مخلقة) * (الحج: 5)) الكلام فيه على أنواع.
الأول في إعرابه: الأحسن أن يكون: باب، منونا، ويكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا باب فيه بيان. قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أراد أن يقضي الله خلقه، قال الملك: مخلقة، وإن لم يرد قال: غير مخلقة). وروي عن علقمة: (إذا وقعت النطفة في الرحم قال له الملك: مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجت الرحم دما، وإن قال: مخلقة. قال أذكر أم أنثى؟) ويحتمل أن يكون البخاري أراد الآية الكريمة، فأورد الحديث لأن فيه ذكر المضغة، والمضغة مخلقة وغير مخلقة وقال بعضهم: رويناه بالإضافة أي: باب تفسير قوله تعالى: * (مخلقة وغير مخلقة) * (الحج: 5) قلت ليت شعري أنه روى هذا عن البخاري نفسه أم عن الفربري وكيف يقول باب تفسير قوله تعالى: * (مخلقة وغير مخلقة) * وليس في متن حديث الباب: مخلقة وغير مخلقة، وإنما فيه ذكر المضغة، وهي مخلقة وغير مخلقة. لما ذكرنا.
النوع الثاني: إن غرض البخاري من وضع هذا الباب هنا الإشارة إلى أن الحامل لا تحيض، لأن اشتمال الرحم على الولد يمنع خروج دم الحيض. ويقال: إنه يصير غذاء للجنين، وممن ذهب إلى أن الحامل لا تحيض الكوفيون، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو نور وابن المنذر والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر وجابر بن زيد والشعبي ومكحول والزهري والحكم وحماد والشافعي في أحد قوليه، وهو قوله القديم، وقال في الجديد: إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان، وحكي عن بعض المالكية: إن كان في آخر الحمل فليس بحيض، وذكر الداودي أن الاحتياط أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم ولا يأتيها زوجها. وقال ابن بطال: غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»