عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٩٩
كان وقت العشاء، لأن طلب المصابيح لأمر غالب لا يكون إلا في شدة الظلمة، وشدة الظلمة لا تكون إلا في جوف الليل. وروى البيهقي من حديث عباد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا في الحيض، وتقول: (إنها قد تكون الصفرة والكدرة). وعن مالك: لا يعجبني ذلك، ولم يكن للناس مصابيح. وروى ابن القاسم عنه: أنهن كن لا يقمن بالليل. وقال صاحب (التلويح) يشبه أن يكون ما بلغ ابنة زيد عن النساء كان في أيام الصوم لينظرن الطهر لنية الصوم، لأن الصلاة لا تحتاج لذلك، لأن وجوبها عليهن إنما يكون بعد طلوع الفجر.
واختلف الفقهاء في الحائض تطهر قبل الفجر ولا تغسل حتى يطلع الفجر. فقال أبو حنيفة: إن كانت أيامها أقل من عشرة صامت وقضت، وإن كانت عشرة صامت ولم تقض. وقال مالك والشافعي وأحمد: هي بمنزلة الجنب تغتسل وتصوم، ويجزيها صوم ذلك اليوم، وعن عبد الملك بن ماجشون: يومها ذلك يوم فطر. وقال الأوزاعي: تصومه وتقضيه.
وفي (القواعد) لابن رشد: اختلف الفقهاء في علامة الطهر، فرأى قوم أن علامته القصة أو الجفوف. قال ابن حبيب: وسواء كانت المرأة من عادتها انها تطهر بهذه، وفرق قوم فقالوا: إن كانت ممن لا يراها فطهرها الجفوف. وقال ابن حبيب: الحيض أوله دم ثم يصير صفرة ثم تربة ثم كدرة ثم يكون ريقا كالقصة ثم ينقطع، فإذا انقطع قبل هذه المنازل وجف أصلا فذلك إبراء للرحم. وفي (المصنف) عن عطاء: الطهر الأبيض الجفوف الذي ليس معه صفرة ولا ماء، وعن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنه: سئلت عن الصفرة اليسيرة، قالت: اعتزلن الصلاة ما رأين ذلك حتى لا ترين إلا لبنا خالصا.
320 ح دثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي مطابقته للترجمة ظاهرة وهي في قوله: (فإذا أقبلت، وإذا أدبرت). وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب غسل الدم وفي باب الاستحاضة، وسفيان في هذا الإسناد هو ابن عيينة، لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من سفيان الثوري، ولفظ الحديث في باب غسل الدم: (فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) من غير إيجاب الغسل، وقال عروة: ثم توضئي لكل صلاة لإيجاب الوضوء، وهنا قال: (فاغتسلي وصلي) لإيجاب الغسل، لأن أحوال المستحاضات مختلفة، فيوزع عليها. أو نقول: إيجاب الغسل والتوضىء لا ينافي عدم التعرض لهما، وإنما ينافي التعرض لعدمهما. وقوله: (فاغتسلي وصلي) لا يقتضي تكرار الاغتسال لكل صلاة، بل يكفي غسل واحد، ولا يرد عليه حديث أم حبيبة: كانت تغتسل لكل صلاة، على ما يأتي في باب عرق الاستحاضة، لأنها لعلها كانت من المستحاضات التي يجب عليها الغسل لكل صلاة. وقال [قعالشافعي [/ قع، رحمه الله تعالى: إنما أمرها أن تغتسل وتصلي، وليس في أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال: ولا أشك، إن شاء الله تعالى، أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به. وذلك واسع.
20 ((باب لا تقضي الحائض الصلاة)) أي: هذا باب فيه الحائض لا تقضي الصلاة، وإنما قال: لا تقضي الصلاة، ولم يقل: تدع الصلاة، كما في حديث جابر وأبي سعيد، لأن عدم القضاء أعم وأشمل.
والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب الأول ترك الصلاة عند إقبال الحيض، وهذا الباب فيه كذلك.
وقال جابر وأبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم تدع الصلاة مطابقة هذا التعليق للترجمة من حيث إن ترك الصلاة يستلزم عدم القضاء، ولأن الشارع أمر بالترك، ومتروك الشرع لا يجب فعله فلا يجب قضاؤه إذا ترك. أما التعليق عن جابر فقد أخرجه البخاري في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج، وفيه: (غير أنها لا تطوف ولا تصلي). ومعنى قوله: (ولا تصلي) تدع الصلاة، ورواه مسلم نحوه
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»