عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٨٨
وأمسكي عن عمرتك ففعلت فلما قضيت الحج أمر عبد الرحمان ليلة الحصبة فأعمرني من التنعيم مكان عمرتي التي نسكت.
قال الداودي ومن تبعه ليس فيه دليل على الترجمة لأن أمرها بالامتشاط كان للإهلال وهي حائض، لا عند غسلها أجاب الكرماني عن هذا بأن الإحرام بالحج يدل على غسل الإحرام لأنه سنة، ولما سن الامتشاط عند غسله فعند غسل الحيض بالطريق الأولى، لأن المقصود منه التنظيف، وذلك عند إرادة إزالة أثر الحيض الذي هو نجاسة غليظة أهم أو لأنه إذا سن في النفل ففي الفرض أولى، وقيل: إن الإهلال بالحج يقتضي الاغتسال صريحا في هذه القصة، فيما أخرجه مسلم من طريق ابن الزبير عن جابر ولفظه: (فاغتسلي ثم أهلي بالحج) وقيل: جرت عادة البخاري في كثير من التراجم أنه يشير إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث، وإن لم يكن منصوصا فيما ساقه كما ذكرنا في باب المرأة نفسها.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: موسى بن إسماعيل النبوذكي. الثاني: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني نزيل بغداد. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: عروة بن الزبير بن العوام. الخامس: عائشة رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع: وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن رواته ما بين بصري ومدنيين. وفيه: أن إبراهيم يروي عن الزهري بلا واسطة، وروي عنه في باب تفاضل أهل الإيمان بواسطة، روى عن صالح عن الزهري.
ذكر معانيه قولها: (أهللت) أي: أحرمت ورفعت الصوت بالتلبية، قولها: (فيمن تمتع) فيه التفات من المتكلم إلى الغائب لأن أصله أن يقال: تمتعت، ولكن ذكر باعتبار لفظ من قولها: (الهدى) بفتح الهاء وسكون الدال وبكسرها مع تشديد الباء، وهو اسم لما يهدى إلى مكة من الأنعام قال الكرماني: قوله: (ولم يسق الهدى) كالتأكيد لبيان التمتع، إذ المتمتع لا يكون معه الهدي. قلت: المتمتع على نوعين: أحدهما: أنه يسوق الهدي معه، والآخر: لا يسوق. وحكمهما مختلف كما ذكر في فروع الفقه قولها: (فزعمت) إنما لم يقل، فقالت: لأنها لم تتكلم به صريحا إذ هو مما يستحي في تصريحه، قوله: وقالت: عطف على حاضت، ويروي، قالت، بغير عطف قولها: (تمتعت بعمرة) تصريح بما علم ضمنا إذا التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجر من على مسافة القصر من الحرم، ثم يحرم بالحج في سنة تلك العمرة بلا عود إلى ميقات، وبعد ففي هذا الكلام مقدر، تقديره، تمتعت بعمرة، وأنا حائض. قوله: (انقضى) بضم القاف، وفي بعض الروايات انفضى، بالفاء، والمضاف محذوف أي: شعر رأسك، قولها: (ففعلت) أي: فعلت النقض والامتشاط والإمساك، وهاهنا، أيضا مقدر، وهو في قولها: (فلما قضيت الحج) أي: بعد إحرامي به، وقضيت، أي: أديت قولها: (أمر عبد الرحمن) أي امر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر قولها (ليلة الحصبة)، بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ثم بالباء الموحدة، وهي الليلة التي نزلوا فيها في المحصب، وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منى خارج مكة، وهي الليلة التي بعد أيام التشريق سميت بذلك لأنهم نفروا من منى، فنزلوا في المحصب وباتوا به، والحصبة والحصباء والأبطح والبطحاء والمحصب وخيف بني كنانة يراد بها موضع واحد، وهو بين مكة ومنى، قولها: (فأعمرني) ويروي (فاعتمرني) قولها: (من التنعيم)، وهو تفعيل من النعمة، وهو موضع على فرسخ من مكة على طريق المدينة، وفيه مسجد عائشة رضي الله تعالى عنها، قولها: (التي نسكت) من النسك، كذا هو في رواية الأكثرين، ومعناه: أحرمت بها، أو قصدت النسك بها، وفي رواية أبي زيد المروزي: (سكت) من السكوت أي: عمرتي التي تركت أعمالها، وسكت عنها وروى القايسي: (شكت) بالشين المعجمة. أي: شكت العمرة، من الحيض وإطلاق الشكاية عليها كناية عن إخلالها وعدم بقاء استقلالها، ويجوز أن يكون الضمير فيه راجعا، إلى عائشة، وكان حقه التكلم، وذكره بلفظ الغيبة التفاتا.
ذكر استنباط الأحكام الأول: أن ظاهر هذا الحديث أن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أحرمت بعمرة أولا، وهو صريح حديثها الآتي في الباب الذي بعده، لكن قولها في الحديث الذي مضى: (خرجنا مع رسول الله صلى الله
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»