الساكنة بعد التاء المثناة من فوق المفتوحة، من: الاستبراء، وهو طلب البراءة. وفي رواية مسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (لا يستنزه)، بتاء مثناة من فوق مفتوحة ونون ساكنة وزاي مكسورة بعدها هاء، من: النزه. وهو الإبعاد. وروي: (لا يستنثر)، بتاء مثناة من فوق مفتوحة ونون ساكنة وثاء مثلثة مكسورة، من: الاستنثار، وهو طلب النثر، يعني: نثر البول عن المحل. وروي: (لا ينتتر)، بتائين مثناتين من فوق بعد النون الساكنة، من: النتر، وهو جذب فيه قوة وحفوة، وفي الحديث: (إذا بال أحدكم فينتتر). قوله: (بالنميمة): هي نقل كلام الناس. وقال النووي: هي نقل كلام الغير بقصد الإضرار، وهو من أقبح القبائح. وقال الكرماني: هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء، لأنهم يقولون: الكبيرة هي الموجبة للحد، ولا حد على الماشي بالنميمة إلا أن يقال: الاستمرار المستفاد منه يجعله كبيرة، لأن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم الكبيرة أو لا يريد بالكسرة الكبيرة معناها الاصطلاحي. وقال بعضهم: وما نقله عن الفقهاء ليس هو قول جميعهم، لكن كلام الرافعي يشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين: أحدهما: هذا، والثاني: ما فيه وعيد شديد. قال: وهم إلى الأول أميل، والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. قلت: لا وجه لتعقيبه على الكرماني لأنه لم يميز قول الجميع عن قول البعض حتى يعترض على قوله على قاعدة الفقهاء، على أن الذنب المستمر عليه صاحبه، وإن كان صغيرة، فهو كبيرة في الحكم، وفيه وعيد. لقوله: (لا صغيرة مع الإصرار). قوله (ثم دعا بجريدة)، وفي رواية الأعمش: (بعسيب رطب)، وهو بفتح العين وكسر السين المهملة على وزن فعيل نحو كريم: وهي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص، وإن نبت فهي: السعفة، وعلم من هذا أن الجريدة هي الغصن من النخل بدون الورق. قوله: (فوضع)، وفي رواية الأعمش، وهي تأتي: (فغرز)، فالغرز يستلزم الوضع بدون العكس. قوله: (فقيل له)، وفي رواية: (قالوا)، أي: الصحابة، ولم يعلم القائل من هو. قوله: (ما لم ييبسا) بفتح الباء الموحدة من: يبس ييبس، من باب: علم يعلم، وفيه لغة يبس ييبس بالكسر فيهما، وهي شاذة، وهكذا روي في كثير من الروايات، وفي رواية الكشميهني: (إلا أن ييبسا) بحرف الاستثناء، وفي رواية المستملي: (إلى أن ييبسا)، بكلمة: إلى، التي للغاية. ويجوز فيه التأنيث والتذكير، أماالتأنيث فباعتبار رجوع الضمير فيه إلى الكسرتين، وأما التذكير فباعتبار رجوعه إلى العودين، لأن الكسرتين هما العودان، والكسرتان بكسر الكافية، تثنية كسرة، وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفا، وفي رواية جرير عنه باثنتين، وقال النووي: الباء، زائدة للتأكيد، وهو منصوب على الحال.
بيان الإعراب قوله: (يعذبان) جملة وقعت حالا (من إنسانين)، وكذا قوله: (في قبورهما) أي: حال كونهما يعذبان وهما في قبريهما. وإنما قال: (في قبورهما)، مع أن لهما قبرين، لأن في مثل هذا استعمال التثنية قليل، والجمع أجود كما في قوله تعالى * (فقد صغت قلوبكما) * (التحريم: 4) والأصل فيه أن المضاف إلى المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه يجوز فيه التثنية والجمع، ولكن الجمع أجود نحو: أكلت رأسي شاتين، وإن كان غير جزئه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سل الزيدان سيفيهما، وإن أمن من اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع، كما في قوله: (في قبورهما)، وقد تجمع التثنية والجمع كما في قوله.
ظهراهما مثل ظهور الترسين.
قوله: (لعله ان يخفف عنهما) شبه: لعل بعسى، فأتى بأن في خبره، وقال المالكي الرواية: أن يخفف عنها على التوحيد، والتأنيث وهو ضمير النفس، فيجوز إعادة الضميرين في: لعله، وعنها إلى الميت باعتبار كونه إنسانا، وكونه نفسا، ويجوز أن يكون الضمير في: لعله، ضمير الشان، وفي: عنها، للنفس، وجاز تفسير الشأن بأن وصلتها، مع أنها في تقدير مصدر، لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ولذلك سدت مسد مفعولي: حسب وعسى، في قوله تعالى * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * (البقرة: 214، وآل عمران: 142) ويجوز في قول الأخفش أن تكون: أن، زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء، ومن كونهما جارتين، ومن تفسير ضمير الشأن: بأن وصلتها، قول عمر، رضي الله تعالى عنه: فما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلبني رجلاي. وقال الطيبي: لعل الظاهر أن يكون الضمير مبهما يفسره ما بعده، كما في قوله تعالى: * (إن هي إلا حياتنا الدنيا) * (الأنعام: 29). وقال الزمخشري، رحمه الله تعالى: هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا ما يتلوه من بيانه، وأصله: أن لا حياة إلا الحياة الدنيا، ثم وضع: هي، موضع: الحياة، لأن الخبر يدل عليها ويبينها، ومنه: هي النفس تتحمل ما حملت، والرواية بتثنية الضمير في: عنهما، لا يستدعي إلا هذا التأويل. قوله: (ما لم ييبسا) كلمة: ما، هنا مصدرية زمانية، وأصله: مدة دوامها إلى زمن اليبس.