عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١١٢
في الحديث السابق، لأن ذلك يوضح معنى هذا. الثالث: فيه الحث على الخضوع والخشوع، وذلك بطريق الالتزام.
54 ((باب الوضوء من غير حدث)) أي: هذا باب في بيان حكم الوضوء من غير حدث، والمراد به وضوء المتوضىء يعني: يكون على ظهرة ثم يتطهر ثانيا من غير حدث بينهما.
والمناسبة بين البابين ظاهرة، لكون كل منهما من تعلقات الوضوء.
214 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن عمرو بن عامر قال سمعت أنسا ح قال وحدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثنى عمرو بن عامر عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قلت كيف كنتم تصنعون قال يجزيء أحدنا الوضوء ما لم يحدث.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله وهم ستة؛ وللحديث إسناد ان: أحدهما عن محمد بن يوسف الفريابي مر في باب: لا يمسك ذكره بيمينه، عن سفيان الثوري تقدم في باب علامة المنافق عن عمرو، بالواو، ابن عامر الأنصاري الثقة الصالح، روى له الجماعة عن أنس بن مالك. والآخر عن مسدد بن مسرهد، تكرر ذكره عن يحيى القطان، مر ذكره، وهذا تحويل من إسناد إلى إسناد آخر، وفي بعض النسخ بعد قوله: سمعت أنسا صورة: ح، وهو إشارة إلى التحويل، أو إلى الحائل أو إلى: صح، أو إلى الحديث، وقد مر تحقيقه.
بيان لطائف اسناده منها: أن في الإسناد الأول التحديث بصيغة الجمع والعنعنة والسماع. وفي الثاني: التحديث بصيغة الجمع والتحديث بصيغة الإفراد والعنعنة. ومنها: أن في الإسناد الأول: بين البخاري وبين سفيان رجل. وفي الثاني: بينهما رجلان. ومنها: أن في الإسناد الثاني: صرح بسماع سفيان عن عمرو حيث قال: حدثني عمر، وفي الأول: قال عن عمرو، وسفيان من المدلسين، والمدلس لا يحتج بعنعنته إلا أن يثبت سماعه من طريق آخر. ومنها: أن رواته ما بين فريابي وكوفي وبصري. ومنها: أن الإسناد الأول عال، والثاني نازل، وذلك بكون سفيان الثوري أتى بالحديث عن عمرو، وإنما قلنا: إنه هو الثوري لأنا لم نجد لسفيان بن عيينة عن عمر رواية.
بيان من أخرجه غيره أخرجه الترمذي في الطهارة عن ابن بشار عن يحيى وعبد الرحمن، كلاهما عن سفيان به، وقال: صحيح. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد عن شعبة عنه بمعناه. وأخرجه ابن ماجة فيه عن سويد ابن سعيد عن شريك نحوه. وأخرجه الترمذي من حديث سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن حميد عن أنس: (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر. قال: قلت لأنس: كيف كنتم تصنعون)؟ الحديث، وقال: حديث حميد عن أنس غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل العلم حديث عمرو، وفي (العلل) قال الترمذي: سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: لا أدري ما سلمة هذا؟ ولم يعرف محمد هذا من حديث حميد.
بيان المعنى والإعراب قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ) هذه العبارة تدل على أنه كان عادة له. قوله: (عند كل صلاة) أراد بها الصلاة المفروضة من الأوقات الخمسة. قوله: (قلت كيف تصنعون...)؟ الحديث. القائل عمرو بن عامر، والخطاب للصحابة، رضي الله عنهم، وكلمة: كيف، يسأل بها عن الحال. قوله: (يجزئ)، بضم الياء آخر الحروف، أي: يكفي من أجزأني الشيء أي: كفاني، وفي رواية الإسماعيلي: يكتفى، وفاعله الوضوء بالرفع. قوله: (أحدنا) منصوب لأنه مفعول يجزئ.
بيان استنباط الأحكام الأول: اختلفوا في هذا الباب، فذهبت طائفة من الظاهرية والشيعة إلى وجوب الوضوء لكل صلاة في حق المقيمين دون المسافرين، واحتجوا في ذلك بحديث بريدة بن الحصيب؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد). أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وأبو يعلى، وأخرجه مسلم وأبو داود عنه، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»