عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١١١
المقصود الأصلي في التركيب، وفي الثاني: الصلاة علة للاستغفار، إذ تقدير الكلام: فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس يستغفر. وقوله: (لا يدري) وقع موقع الجزاء إذا كانت كلمة: إذا، شرطية. وإن لم تكن شرطية يكون خبرا: لان، فافهم. قوله: (لعله يستغفر) أي: يريد الاستغفار، (فيسب) يعني: يدعو على نفسه، وصرح به النسائي في رواية من طريق أيوب عن هشام؛ وفي بعض النسخ: (يسب)، بدون الفاء. فإن قلت: ما الفرق بينهما؟ قلت: بدون الفاء تكون الجملة حالا، وبالفاء عطفا على: (يستغفر)؛ ويجوز في: (يسب) الرفع والنصب، أما الرفع فباعتبار عطف الفعل على الفعل، وأما النصب فباعتبار أنه جواب لكلمة: لعل، التي للترجي، فإنها مثل: ليت. فإن قلت: كيف يصح ههنا معنى الترجي؟ قلت: الترجي فيه عائد إلى المصلي لا إلى المتكلم به، أي: لا يدري أمستغفر أم ساب مترجيا للاسغفار، فهو في الواقع بضد ذلك. أو استعمل بمعنى التمكن بين الاستغفار والسب، لأن الترجى بين حصول المرجو وعدمه، فمعناه: لا يدري أيستغفر أم يسب؟ وهو متمكن منهما على السوية.
بيان استنباط الأحكام الأول: أن فيه الأمر بقطع الصلاة عند غلبة النوم عليه، وأن وضوءه ينتقض حينئذ. الثاني: أن النعاس إذا كان أقل من ذلك يعفى عنه، فلا ينتقض وضوؤه، وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، وخالف فيه المزني فقال: ينقض قليله وكثيره، لما ذكرنا. وقال المهلب وابن بطال وابن التين وغيرهم: إن المزني خرق الإجماع. قلت: هذا تحامل منهم عليه، لأن الذي قاله نقل عن بعض الصحابة التابعين، وقد ذكرناه عن قريب، إن شاء الله تعالى. الثالث: فيه الأخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل. الرابع: فيه الدعاء في الصلاة من غير تعيين بشيء من الأدعية. الخامس: فيه الحث على الخشوع وحضور القلب في العبادة، وذلك لأن الناعس لا يحضر قلبه، والخشوع إنما يكون بحضور القلب.
213 حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ.
وجه المطابقة للترجمة قد ذكرناه بيان رجاله وهم خمسة: الأول: أبو معمر، بفتح الميمين: هو عبد الله بن عمرو المشهور بالمقعد، تقدم ذكره في باب قول النبي، عليه الصلاة والسلام: (اللهم علمه الكتاب). الثاني: عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التنوري، تقدم في الباب المذكور. الثالث: أيوب السختياني، سبق ذكره في باب حلاوة الإيمان. الرابع: أبو قلابة، بكسر القاف وتخفيف اللام: واسمه عبد الله بن زيد الحرمي، سبق ذكره في الباب المذكور. الخامس: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه.
بيان لطائف اسناده منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة. ومنها: أن رواته كلهم بصريون. ومنها: أن فيه رواية التابعي عن التابعي، وهما: أيوب وأبو قلابة، رحمهما الله تعالى.
بيان من أخرجه غيره أخرجه النسائي أيضا في الطهارة عن يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب.
بيان المعنى والإعراب قوله: (إذا نعس أحدكم) ليس في بعض النسخ لفظ: أحدكم، بل الموجود: إذا نعس، فقط اي: إذا نعس المصلي، وحذف فاعله للعلم به بقرينة ذكر الصلاة، وقد جاء في رواية الإسماعيلي: (إذا نعس أحدكم)، وفي (مسند) محمد بن نصر من طريق وهيب عن أيوب: (فلينصرف). قوله: (فلينم) قال المهلب: إنما هذا في صلاة الليل، لأن الفريضة ليست في أوقات النوم، ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك. قلنا: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. قوله: (في الصلاة) وفي بعض النسخ ليس فيه ذكر الصلاة. قوله: (حتى يعلم) بالنصب لا غير، وقال الكرماني: قيل معنى: (فلينم)؛ فليتجوز في الصلاة ويتمها وينام. قوله: (ما يقرأ) كلمة: ما، موصولة، والعائد المفعول محذوف، والتقدير: ما يقرؤه، ويحتمل أن تكون استفهامية. وقال الإسماعيلي: في هذا الحديث اضطراب، لأن حماد بن زيد رواه فوقفه، وقال فيه: قرىء علي كتاب عن أبي قلابة، فعرفته. ورواه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فلم يذكر أنسا. وأجيب: بأن هذا لا يوجب الاضطراب، لأن رواية عبد الوارث أرجح بموافقة وهيب والطفاوي له عن أيوب. قوله: (قرىء على) لا يدل على أنه لم يسمعه من أبي قلابة، بل يحمل على أنه عرف أنه فيما سمعه من أبي قلابة.
بيان استنباط الأحكام الأول: أن فيه الأمر بقطع الصلاة عند غلبة النوم. الثاني: أن قليل النوم معفو كما ذكرنا
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»