مجاهد معنعنا، وعن ابن أبي نجيح بلفظ: قال، والبخاري لا يذكر المعنعن إلا إذا ثبت السماع، ولا يكتفي بمجرد إمكان السماع، كما اكتفى به مسلم، فالمعنعن إذا لم يكن من المدلس كان أعلى درجة من: قال، لأن: قال: إنما تذكر عند المجاورة، لا على سبيل النقل والتحميل، ثم في لفظة: لي، إشارة إلى أنه جاور معه وحدة. وقال البخاري: كلما قلت: قال لي فلان، فهو عرض ومناولة، فما روي عن سفيان يحتمل أن يكون عرضا لسفيان أيضا.
وبقية ما فيه من الكلام من تعدد موضعه. ومن أخرجه، ولغاته، وإعرابه ومعانيه، قد مرت في أوائل كتاب العلم.
قوله: (صحبت ابن عمر رضي الله عنهما إلى المدينة) اللام فيها للعهد، أي: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر مبتدأ الصحبة. قال الكرماني: والظاهر أنه من مكة، وفيه الدلالة على أن ابن عمر كان متوقيا للحديث، وقد كان علم قول أبيه: أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن بطال. وقال الشيخ قطب الدين: قد يكون تركه لغير هذا الوجه، إما لعدم نشاط الاشتغال بمؤونة السفر وتعبه، أو لعدم السؤال. قلت: يمكن التوفيق بينهم بأنه كان يتوقى الحديث ما لم يسأل، فإذا سئل أجاب، وأكثر الجواب عند كثرة السؤال فإنه كان من المكثرين في الحديث. قوله: (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال عن الضمير المنصوب في لم اسمعه. قوله: (إلا حديثا) أراد به الحديث الذي بعده متصلا به. قوله: (فأتي) بضم الهمزة. قوله: (بجمار)، بضم الجيم وتشديد الميم: وهو شحم النخيل، وهو الذي يؤكل منه. وفي (العباب): ويقال له الجامور أيضا. قوله: (مثلها)، بفتح الميم: أي صفتهاالعجيبة، والمثل، وإن كان بحسب اللغة الصفة، لكن لا تستعمل إلا عند الصفة العجيبة. قوله: (فأردت أن أقول) أي: في جواب الرسول، عليه الصلاة والسلام، حيث قال: حدثوني ما هي! كما علم من سائر الروايات. قوله: (فسكت)، بضم التاء على صيغة المتكلم، وسكوته كان استحياء وتعظيما للأكابر.
15 ((باب الاغتباط في العلم والحكمة)) أي: هذا باب في بيان الاغتباط، وهو افتعال من: غبطه يغبطه، من باب: ضرب يضرب، غبطا وغبطة، والغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وليس بحسد. والحسد أن: يتمنى زوال ما فيه. وقال ابن بزرج: غبط يغبط، مثال: سمع يسمع، لغة فيه. وبناء باب الافتعال منها يدل على التصرف والسعي فيها، والحكمة معرفة الأشياء على ما هي عليه، فهي مرادفة للعلم، فالعطف عليه من باب العطف التفسيري، إلا أن يفسر العلم بالمعنى الأعم من اليقين المتناول للظن أيضا، أو تفسر الحكمة بما يتناول سداد العمل أيضا.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن في الباب الأول: الفهم في العلم، وفي هذا الباب: الاغتباط في العلم، وكلما زاد فهم الرجل في العلم زادت غبطته فيه، لأن من زاد فهمه وقوي يزداد نظره فيمن هو أقوى فهما منه، ويتمنى أن يكون مثله، وهو الغبطة.
وقال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا الكلام فيه على أنواع.
الأول: قال الكرماني: هو ليس من تمام الترجمة إذ لم يذكر بعده شيء يكون هذا متعلقا به، إلا أن يقال: الاغتباط في الحكمة على القضاء لا يكون إلا قبل كون الغابط قاضيا، ويزول حينئذ. وقال عمر: بمعنى المصدر، أي: قول عمر، رضي الله عنه. قلت: كيف يؤول الماضي بالمصدر وتأويل الفعل بالمصدر لا يكون إلا بوجود أن المصدرية؟ وقال ابن المنير: مطابقة قول عمر، رضي الله عنه، للترجمة أنه جعل السيادة من ثمرات العلم، وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة، وذلك يحقق استحقاق العلم بأن يغبط صاحبه، فإنه سبب لسيادته. قلت: لا شك أن الذي يتفقه قبل السيادة يغبط في فقهه وعلمه، فيدخل في قوله: باب الاغتباط في العلم.
الثاني: أن هذا الأثر الذي علقه أخرجه أبو عمر بإسناد صحيح عن أحمد بن محمد: ثنا محمد بن عيسى، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد، ثنا ابن علية ومعاذ عن ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف عن عمر، رضي الله عنه به. وأخرجه الحوزي في كتابه: ثنا إسحاق بن القعنبي، ثنا بشر بن أبي الأزهر، ثنا خارجة بن مصعب عن ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف عنه به،