من لم يعرف الاختلاف لم يشم الفقه بأنفه. وقال ابن أبي عروبة: لا نعده عالما، وكذا قاله عثمان بن عطاء عن أبيه. وقال الحارث بن يعقوب: الفقيه من فقه في القراءة، وعرف مكيدة الشيطان.
قال أبو عبد الله: وبعد أن تسودوا، وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم.
هذه زيادات جاءت في رواية الكشميهني فقط، وأراد البخاري بقوله: (قال أبو عبد الله)، نفسه لأن كنيته أبو عبد الله. وقال الكرماني: ولا بد من مقدر يتعلق به لفظ: وبعد، والمناسب أن يقدر: لفظ تفهموا، يعني الماضي، فيكون لفظ: (تسودوا) بفتح التاء ماضيا كما أنه يحتمل أن يكون: تسودوا، من التسويد الذي من السواد، أي: بعد أن يسودوا لحيتهم مثلا، أي: في كبرهم، أو أي: بعد زوال السواد أي في الشيب. والله أعلم بحقيقة الحال. قلت: هذا كله تعسف خارج عن مقصود البخاري، إذ مقصوده الأمر بالتفقه قبل السيادة وبعدها. فقوله: (وبعد أن تسودوا) عطف على قول عمر، رضي الله عنه: قبل أن تسودوا، وهو أيضا، بضم التاء كما في قول عمر: رضي الله عنه، والمعنى: تفقهوا قبل أن تسودوا وتفقهوا بعد أن تسودوا، إذ لا يجوز ترك التفقه بعد السيادة، إذا فاته قبلها، والدليل على صحة ما قلنا أن البخاري أكد ذلك بقوله: وقد تعلم أصحاب النبي، عليه السلام، في كبر سنهم، لأن الناس الذين آمنوا بالنبي، عليه السلام، وهم كبار ما تفقهوا إلا في كبر سنهم.
73 حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال: سمعت قيس بن أبي حازم قال: سمعت عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها).
.
مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن البخاري حمل ما وقع في الحديث من لفظ الحسد على الغبطة، فأخرجه عن ظاهره وحمله على الغبطة، وتمني الأعمال الصالحة. وترجم الباب عليه.
بيان رجاله: وهم ستة، والكل قد ذكروا، والحميدي: هو أبو بكر عبد الله بن الزبير ابن عيسى المكي، صاحب الشافعي، أخذ عنه ورحل معه إلى مصر، ولما مات الشافعي رجع إلى مكة. وسفيان هو ابن عيينة، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، وقيس بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث والسماع. ومنها: أن فيه ثلاثة من التابعين. ومنها: أن رواته ما بين مكي وكوفي. ومنها: أن فيه سفيان بن عيينة، وقد ذكر أن الزهري حدثه بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل، وهو معنى قوله: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري، برفع الزهري، لأنه فاعل: حدث، و: نا، مفعوله، والضمير يرجع إلى الحديث الذي يدل عليه: حدثنا، والغرض من هذا الإشعار بأنه سمع ذلك من إسماعيل على وجه غير الوجه الذي سمع من الزهري، إما مغايرة في اللفظ، وإما مغايرة في الإسناد، وإما غير ذلك. وفائدته: التقوية والترجيح بتعداد الطرق، ورواية سفيان عن الزهري أخرجها البخاري في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه، قال: قال الزهري عن سالم، ورواها مسلم عن زهير بن حرب، وغيره عن سفيان بن عيينة، قال: ثنا الزهري عن سالم عن أبيه، ساقه مسلم تاما، واختصره البخاري. وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري، قال: حدثني سالم بن عبد الله بن عمر، فذكره.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري ههنا عن الحميدي عن سفيان. وأخرجه أيضا في الزكاة عن محمد بن المثنى عن يحيى القطان. وفي الأحكام وفي الاعتصام عن شهاب بن عباد عن إبراهيم بن حميد الرواسي. وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، وعن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه، ومحمد بن بشر. وأخرجه النسائي في العلم عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير ووكيع وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك، ثمانيتهم عن إسماعيل بن أبي خالد عنه به. وأخرجه ابن ماجة في الزهد عن محمد بن عبد الله بن نمير به.
بيان اللغات: قوله: (لا حسد)، الحسد: تمني الرجل أن يحول الله إليه نعمة الآخر أو فضيلته، ويسلبهما عنه.