قوله: (يسروا)، وهو نكرة لصدق ذلك على من يسر مرة وعسر في معظم الحالات، فإذا قال: ولا تعسروا، انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع الوجوه، وكذلك الجواب عن قوله: (ولا تنفروا) لا يقال: كان ينبغي أن يقتصر على قوله: (ولا تعسروا ولا تنفروا) لعموم النكرة في سياق النفي، لأنه لا يلزم من عدم التعسير ثبوت التيسير، ولا من عدم التنفير ثبوت التيسير، فجمع بين هذه الألفاظ لثبوت هذه المعاني، لأن هذا المحل يقتضي الإسهاب، وكثرة الألفاظ لا الاختصار لشبهه بالوعظ، والمعنى: وبشروا الناس أو المؤمنين بفضل الله تعالى وثوابه، وجزيل عطائه وسعة رحمته، وكذا المعنى في قوله: (ولا تنفروا) يعني: بذكر التخويف وأنواع الوعيد، فيتألف من قرب إسلامه بترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ وتاب من المعاصي يتلطف بجميعهم بأنواع الطاعة قليلا قليلا، كما كانت أمور الإسلام على التدريج في التكليف شيئا بعد شيء، لأنه متى يسر على الداخل في الطاعة المريد للدخول فيها، سهلت عليه وتزايد فيها غالبا، ومتى عسر عليه أوشك أن لا يدخل فيها. وإن دخل أوشك أن لا يدوم أو لا يستحملها.
وفيه الأمر للولاة بالرفق، وهذا الحديث من جوامع الكلم لاشتماله على خيري الدنيا والآخرة، لأن الدنيا دار الأعمال، والآخرة دار الجزاء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير والإخبار بالسرور تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين.
بيان البديع: اعلم أن بين: (يسروا)، وبين (بشروا)، جناس خطي، والجناس بين اللفظين تشابههما في اللفظ، وهذا من الجناس التام المتشابه، وهذا باب من أنواع البديع الذي يزيد في كلام البليغ حسنا وطلاوة. فإن قلت: كان المناسب أن يقال بدل: (ولا تنفروا) ولا تنذروا، لأن الإنذار وهو نقيض التبشير لا التنفير. قلت: المقصود من الإنذار التنفير، فصرح بما هو المقصود منه.
12 ((باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة)) أي: هذا باب في بيان من جعل، فالباب مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى: من، هذا رواية كريمة. وفي رواية الكشميهني: (أياما معلومات)، وفي رواية غيرهما: (يوما معلوما). وجه المناسبة بين البابين ظاهر، لأن الباب الأول في التخويل بالموعظة والعلم، وقد ذكرنا أن معناه هو التعهد في أيام خوفا من الملل والضجر، وهذا الباب أيضا كذلك.
70 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا كل يوم. قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.
.
[/ محه مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، والدليل عليها، إما أن يكون بفعل الصحابي عند من يقول به، أو بالاستنباط من فعل النبي. صلى الله عليه وسلم.
بيان رجاله: وهم خمسة: الأول: عثمان بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة بن عثمان ابن خواستي، بضم الخاء المعجمة وبعد الألف سين مهملة ثم تاء مثناة من فوق، أبو الحسن العبسي الكوفي، أخو أبي بكر وقاسم، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين، وأبو بكر أجل منه، نزل بغداد ورحل إلى مكة والري، وكتب الكثير، روى عنه يحيى بن محمد الذهلي ومحمد بن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة، وروى النسائي عن رجل عنه، سئل عنه محمد بن عبد الله بن نمير، فقال: ومثله يسأل عنه؟ وقال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله ثقة. وقال أحمد بن حنبل: ما علمت إلا خيرا، وأثنى عليه وكان ينكر عليه أحاديث حدث بها. منها حديث جرير عن الثوري عن ابن عقيل عن جابر قال: شهد النبي، عليه الصلاة والسلام، عيد المشركين، توفي لثلاث بقين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين. الثاني: جرير بن عبد الحميد بن قرط بن هلال، وقيل: تيري بدل هلال، الضبي الكوفي. قال: ولدت سنة مات الحسن، وهي سنة عشر ومائة، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل: سبع، روى عنه ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو بكر، قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير العلم يرحل إليه، وقال أبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم روى له الجماعة. الثالث: منصور بن