ويستنشق ثلاثا من غرفة أو بثلاث غرفات فإن عبد الله بن زيد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا من غرفة واحدة وروى الأثرم وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحد وإن أفرد لكل عضو ثلاث غرفات جاز لأن الكيفية في الغسل غير واجبة * وفي التلويح شرح البخاري والأفضل أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات كما في الصحاح وغيرها * ووجه ثان يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند ابن خزيمة وابن حبان ورواه أيضا وائل بن حجر بسند ضعيف عند البزار * وثالث يجمع بينهما بغرفة وهو أن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم الثانية كذلك ثم الثالثة رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند الترمذي وقال حسن غريب * ورابع يفصل بينهما بغرفتين يتمضمض من إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا * وخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث ويستنشق بثلاث انتهى قلت احتج أصحابنا الحنفية فيما ذهبوا إليه بما رواه الترمذي حدثنا هناد وقتيبة قالا حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال رأيت عليا رضي الله تعالى عنه توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا حديث حسن صحيح فإن قلت لم يحك فيه أن كل واحدة من المضامض والاستنشاقات بماء واحد بل حكي أنه تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا قلت مدلوله ظاهرا ما ذكرناه وهو أن يتمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك وهو رواية البويطي عن الشافعي فإنه روى عنه أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق وفي رواية غيره عنه في الأم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق واختلف نصه في الكيفيتين فنص في الأم وهو نص مختصر المزني أن الجمع أفضل ونص البويطي أن الفصل أفضل ونقله الترمذي عن الشافعي قال النووي قال صاحب المهذب القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي وهو أيضا أكثر في الأحاديث الصحيحة والجواب عن كل ما روى من ذلك أنه محمول على الجواز وقال المرغيناني لو أخذ الماء بكفه وتمضمض ببعضه واستنشق بالباقي جاز وعلى عكسه لا يجوز لصيرورة الماء مستعملا والجواب عما ورد في الحديث فتمضمض واستنشق من كف واحد أنه محتمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه لا يقوم به حجة أو يرد هذا المحتمل إلى المحكم الذي ذكرناه توفيقا بين الدليلين وقد يقال أن المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين كما في الوجه وقد يقال أنه فعلهما باليد اليمنى ردا على قول من يقول يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء كذا في المبسوط وفيه نظر لا يخفى. وأما وجه الفصل بينهما كما هو مذهبنا فما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليمامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا فأخذ لكل واحدة ماء جديدا وكذا روى عنه أبو داود في سننه وسكت عنه وهو دليل رضاه بالصحة. ثم اعلم أن السنة أن تكون المضمضة والاستنشاق باليمنى وقال بعضهم المضمضة باليمين والاستنشاق باليسار لأن الفم مطهرة والأنف مقذرة واليمنى للاطهار واليسار للاقذار ولنا ما روى عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه استنثر بيمينه فقال له معاوية جهلت السنة فقال كيف أجهل السنة والسنة من بيوتنا خرجت أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليمين للوجه واليسار للمقعد كذا ذكره صاحب البدائع والترتيب بينهما سنة ذكره في الخلاصة لأنه لم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام في صفة وضوئه إلا هكذا. الحكم الثالث قال ابن بطال فيه أن الماء المستعمل طاهر مطهر وهو قول مالك والحجة له أن الأعضاء كلها إذا غسلت مرة فإن الماء إذا لاقى أول جزء من أجزاء العضو فقد صار مستعملا مع أنه يجزئه في سائر أجزاء ذلك العضو فلو كان الوضوء بالمستعمل لا يجوز لم يجز الوضوء مرة مرة ولما أجمعوا أنه جاز استعماله في العضو الواحد كان في سائر الأعضاء كذلك قلت هذا الاستدلال غير صحيح لأن الماء ما دام بالعضو فهو في
(٢٦٥)