التقدير، من تأسيس أول يوم، وضعفه بعضهم بأن التأسيس ليس بمكان. وقال الزمخشري: التقدير من أول يوم من أيام وجوده. قلت: هذا جنوح إلى مذهب الكوفيين. وقال النووي: المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مائة سنة، سواء قل عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة. ويقال: معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وعظهم بقصر أعمارهم بخلاف غيرهم من سالف الأمم، وقد احتج البخاري ومن قال بقوله على موت الخضر، والجمهور على خلافه. ومن قال به أجاب عن الحديث بأنه من ساكني البحر فلا يدخل في الحديث. ومن قال: إن معنى الحديث: لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه، فالحديث عام أريد به الخصوص. وقيل: أراد النبي صلى الله عليه وسلم بالأرض البلدة التي هو فيها، وقد قال تعالى: * (ألم تكن أرض الله واسعة) * (النساء: 97) يريد المدينة. وقوله: ممن هو على وجه الأرض احتراز عن الملائكة. قال الكرماني: فإن قلت: ما تقول في عيسى عليه السلام؟ قلت: فهو ليس على وجه الأرض بل في السماء، أو هو من النوادر. فإن قلت: فما قولك في إبليس؟ قلت: هو ليس على ظهر الأرض بل في الهواء أو في النار، أو المراد من لفظ من هو الإنس والله أعلم. قلت: هذه كلها تعسفات، ولا يرد على هذا لا بعيسى، عليه الصلاة والسلام، ولا بإبليس. فإن مراده صلى الله عليه وسلم ممن هو على ظهر الأرض أمته، والقرائن تدل على ذلك، منها قوله: (أرأيتكم ليلتكم هذه؟)، وكل من على وجه الأرض من المسلمين والكفار أمته، أما المسلمون فإنهم أمة إجابة، وأما الكفار فإنهم أمة دعوة. وعيسى والخضر، عليهما السلام، ليسا داخلين في الأمة. وأما الشيطان فإنه ليس من بني آدم. وقال ابن بطال: إنما أراد، عليه الصلاة والسلام، أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة. وقد أخرج البخاري، فيما انفرد به عن أبي برزة الأسلمي: أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، فهذا يدل على المنع مطلقا، والحديث المتقدم يدل على جواز السمر في العلم والخير، فنخص العموم فيما عداهما. وأما ما عدا ذلك فذهب الأكثر إلى كراهته، منهم أبو هريرة وابن عباس، وكتب عمر، رضي الله عنه، أن لا ينام قبل أن يصليها فمن نام فلا نامت عينه. وهو قول عطاء وطاوس وإبراهيم، وقول مجاهد ومالك والكوفيين والشافعي، ورخص طائفة فيه، روي ذلك عن علي، رضي الله عنه، أنه كان ربما غفى قبل العشاء، وكان ابن عمر ينام ويوكل من يوقظه، وعن أبي موسى مثله، وعن عروة وابن سيرين أنهما كانا ينامان نومة قبل العشاء، واحتج لهم بأن الكراهة إنما كرهت لمن خشي عليه تفويتها، أو تفويت الجماعة فيها. وقال ابن بطال: اختلف قول مالك، فقال مرة: الصلاة أحب إلي من مذاكرة الفقه. وقال في موضع آخر: العناية بالعلم، إذا صحت النية، أفضل. وقال سحنون: يلتزم أثقلهما عليه.
117 حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الحكم قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات، ثم قام ثم قال: (نام الغليم؟) أو كلمة تشبهها، ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة.
.
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (نام الغليم)، قاله ابن المنير، ويقال: ارتقاب ابن عباس، رضي الله عنهما، لأحوال النبي، عليه الصلاة والسلام، إذ لا فرق بين التعلم من القول والتعلم من الفعل، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم. وقال الكرماني: الذي فيه من الدلالة على الترجمة هو ما يفهم من جعله على يمينه كأنه، عليه السلام، قال لابن عباس: قف على يميني. فقال: وقفت. ويجعل الفعل بمنزلة القول، أو أن الغالب أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهما حديث للمؤانسة، وحديث النبي، عليه الصلاة والسلام، كله فائدة وعلم، ويعد من مكارمه أن يدخل بيته بعد صلاة العشاء بأصحابه، ويجد ابن عباس مبايتا له ولا يكلمه أصلا. واعترض بعضهم على هذا كله، فقال: كل ما ذكروه معترض، لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرا، وصنيع ابن عباس