عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ١٧٢
(الأنعام: 38) وقوله تعالى: * (تبيانا لكل شيء) * (النحل: 89) ولهذا قال عمر: رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله. وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب، لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش، عليه الصلاة والسلامغ، بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك. ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التكليف لمخالفة من خالف. والله أعلم.
قوله: (عندي). وفي بعض النسخ: (عني) أي: عن جهتي. قوله: (ولا ينبغي عندي التنازع) فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر، وإن كان ما اختاره عمر، رضي الله عنه، صوابا. قوله: (فخرج ابن عباس يقول) ظاهره أن ابن عباس، رضي الله عنه، كان معهم، وأنه في تلك الحالة خرج قائلا هذه المقالة، وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر، بل قول ابن عباس إنما كان يقول عندما يتحدث بهذا الحديث، ففي رواية معمر في البخاري في الاعتصام وغيره، قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول، وكذا لأحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد، ووجه رواية حديث الباب أن ابن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث، خرج من المكان الذي كان به، وهو يقول ذلك، ويدل عليه ما رواه أبو نعيم في (المستخرج)، قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول... الخ، وإنما تعين حمله على غير ظاهره لأنه عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها، لأنه ولد بعد النبي، عليه الصلاة والسلام، بمدة طويلة، ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخرى.
بيان استنباط الأحكام: الأول: فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله، عليه الصلاة والسلام، بالإمامة، لأنه لو كان عند علي، رضي الله عنه، عهد من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لأحال عليها. الثاني: فيه ما يدل على فضيلة عمر، رضي الله عنه، وفقهه. الثالث: في قوله: (ائتوني بكتاب أكتب لكم) دلالة على أن للإمام أن يوصي عند موته بما يراه نظرا للأمة. الرابع: في ترك الكتاب إباحة الاجتهاد، لأنه وكلهم إلى أنفسهم واجتهادهم. الخامس: فيه جواز الكتابة، والباب معقود عليه.
40 ((باب العلم والعظة بالليل)) أي: هذا باب في بيان العلم، والعظة أي: الوعظ بالليل، وفي بعض النسخ: واليقظة، وهذا أنسب للترجمة، وفي بعض النسخ هذا الباب متأخر عن الباب الذي يليه.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول كتابة العلم الدالة على الضبط والاجتهاد، وهذا الباب فيه تعليم العلم والموعظة بالليل، الدال كل منهما على قوة الاجتهاد وشدة التحصيل.
115 حدثنا صدقة قال: أخبرنا ابن عيينة عن معمر عن هند عن أم سلمة وعمر و ويحيى بن سعيد عن الزهري عن هند عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: (سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن! وماذا فتح من الخزائن! أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).
.
الباب له ترجمتان: العلم والعظة، أو اليقظة بالليل، فمطابقتة الحديث للترجمة الأولى في قوله: (ما أنزل الليلة من الفتن! وماذا فتح من الخزائن!). وقوله: (فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة). ومطابقته للترجمة الثانية في قوله: (أيقظوا صواحب الحجر).
بيان رجاله: وهم ثمانية: الأول: صدقة بن فضل المروزي، أبو الفضل، انفرد بالإخراج عنه البخاري عن الستة، وكان حافظا إماما، مات سنة ثلاث، وقيل: ست وعشرين ومائتين. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: معمر بن راشد. الرابع: محمد بن مسلم الزهري. الخامس: عمر بن دينار. السادس: يحيى بن سعيد الأنصاري. وأخطأ من قال: إنه يحيى بن سعيد القطان. لأنه لم يسمع من الزهري ولا لقيه. السابع: هند بنت الحارث الفراسية، ويقال: القرشية، وعند الداودي: القادسية، ولا وجه له. كانت زوجة لمعبد بن المقداد، وفي (التهذيب) أسقط معبدا وهو وهم، روى لها الجماعة إلا مسلما. الثامن: أم سلمة، هند. وقيل: رملة، زوج النبي، عليه الصلاة والسلام، بنت أبي أمية حذيفة. ويقال: سهل بن المغيرة
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»