لما نهاها، والجواب: إن الامتناع إنما جاء من جهة خبر الصادق لا من عدم الإمكان، وقد قال تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) ومعلوم أنه معصوم.
44 ((باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله)) أي: هذا باب في بيان: (ما يستحب للعالم إذا سئل...) الخ. وكلمة: ما، موصولة، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: استحباب العالم... وكلمة: إذا، ظرفية، فتكون ظرفا لقوله: (يستحب)، والفاء في قوله: (فيكل)، تفسيرية على أن قوله: يكل، في قوة المصدر بتقدير: أن، والتقدير: ما يستحب وقت السؤال هو الوكول، ويجوز أن تكون: إذا شرطية و: الفاء، حينئذ داخلة على الجزاء، والتقدير: فهو يكل، والجملة بيان لما يستحب. قوله: (أي الناس) أي: أي شخص من أشخاص الإنسان أعلم من غيره؟ وروي: (إذا سئل أي الناس أعلم؟ أن يكل). و: أن مصدرية. والتقدير: باب استحباب وكول العالم العلم إلى الله تعالى وقت السؤال عنه: أي الناس أعلم؟ قوله: (يكل) أصله: يوكل، لأنه من: وكل الأمر إلى نفسه وكلا ووكولا، وهذا أمر موكول إلى رأيك، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة كما في: يعد، ونحوه. ومعنى أصل التركيب يدل على اعتماد غيرك في أمرك.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول لزوم الإنصات للعالم، وهو في الحقيقة وكول أمره إليه في حالة السماع، وكذلك ههنا: لزوم وكول الأمر إلى الله تعالى إذا سئل عن الأعلم.
122 حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمر و قال: أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر. فقال: كذب عدو الله. حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قام موسى النبي خطيبا في بني إسرائيل. فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: يا رب! وكيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا في مكتل فإذا فقدته فهو ثم، فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون وحملا حوتا في مكتل حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولم يجد موسى مسا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به، فقال له فتاه: * (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) * (الكهف: 63) قال موسى: * (ذلك ما كنا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصا) * (الكهف: 64) فلما انتهيا إلى الصخرة إذا رجل مسجى بثوب أو قال: تسجى بثوبه فسلم موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: * (هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. قال: إنك لن تستطيع معي صبرا) * (الكهف: 66 67) يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه لا أعلمه، قال: * (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا) * (الكهف: 69) فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما، فعرف الخضر فحملوهما بغير نول، فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى