المشرفة بها وهي عارية عنها في الآخرة لا تنفعها إذا لم تضمها مع العمل. قال تعالى: * (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) * (المؤمنون: 101) قوله: (كاسية) على وزن: فاعلة، من: كسا، ولكن بمعنى مكسورة، كما في قول الحطيئة.
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال الفراء: يعني المكسو. كقولك: ماء دافق، وعيشة راضية. لأنه يقال: كسي العريان، ولا يقال: كسا. قوله: (عارية) بتخفيف الياء. قال القاضي: أكثر الروايات بخفض عارية على الوصف. وقال السهيلي: الأحسن عند سيبويه الخفض على النعت لأن: رب، عنده حرف جر يلزم صدر الكلام، ويجوز الرفع كما تقول: رب رجل عاقل على إضمار مبتدأ، والجملة في موضع النعت أي: هي عارية، والفعل الذي يتعلق به: رب، محذوف. واختار الكسائي أن يكون رب أسما مبتدأ، والمرفوع خبرها. ومما يستفاد من هذا الحديث أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل للصلاة ولذكر الله تعالى، لا سيما عند آية تحدث أو رؤيا مخوفة، وجواز قول: سبحان الله، عند التعجب واستحباب ذكر الله بعد الاستيقاظ وغير ذلك.
41 ((باب السمر في العلم)) أي: هذا باب في بيان السمر في العلم، هذه رواية أبي ذر بإضافة الباب إلى السمر، وفي رواية غيره باب السمر في العلم بتنوين الباب، وقطع الإضافة، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، كما ذكرنا. والسمر، مبتدأ: وفي العلم، في محل الصفة، والخبر محذوف تقديره: هذا باب فيه السمر بالعلم أي: بيان السمر بالعلم، و: السمر، بفتح الميم، هو الحديث بالليل، ويقال: السمر بإسكان الميم، وقال عياض: الأول هو الرواية. قال ابن سراج: الإسكان أولى، وضبطه بعضهم به، وأصله لون القمر، لأنهم كانوا يتحدثون إليه، ومنه الأسمر لشبهه بذلك اللون. وقال غيره: السمر، بالفتح: الحديث بالليل، وأصله لا أكلمه السمر والقمر، أي: الليل والنهار. وفي (العباب) السمر المسامرة أي: الحديث بالليل، وقد سمر يسمر وهو سامر والسامر أيضا السمار وهم القوم يسمرون، كما يقال للحجاج: حاج كما قال الله تعالى: * (سامرا تهجرون) * (المؤمنون: 67) أي: سمارا يتحدثون، والسمر الليل والسمير الذي يسامرك، وابنا سمير: الليل والنهار لأنه يسمر فيهما، ويقال: أفعله ما سمر ابنا سمير أي: أبدا. ويقال: السمر الدهر، وابناه الليل والنهار. ولا أفعله سمير الليالي، وسجين الليالي، أي ما دام الناس يسمرون في ليلة قمراء.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول العلم والعظة بالليل، وقد كان التحدث بعد العشاء منهيا، وهو السمر. والمذكور في هذا الباب هو السمر بالعلم، ونبه بهما على أن السمر المنهي عنه إنما هو فيما لا يكون من الخير، وأما السمر بالخير فليس بمنهي بل مرغوب. فافهم.
116 حدثنا سعيد بن غفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: (أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث الصحابة بهذا الحديث بعد صلاة العشاء وهو سمر بالعلم.
بيان رجاله: وهم سبعة: الأول: سعيد بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء، وقد مر. الثاني: الليث بن سعد. الثالث: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر أبو خالد، ويقال: أبو الوليد الفهمي، مولى الليث بن سعد أمير مصر لهشام بن عبد الملك. قال ابن سعد: كانت ولايته على مصر سنة ثمان عشرة ومائة، وقال يحيى بن معين: كان عنده من الزهري كتاب فيه مائتا حديث أو ثلاثمائة، كان الليث يحدث بها عنه، وكان جده شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وقال أبو حاتم: صالح. وقال ابن يونس: كان ثبتا في الحديث، توفي سنة سبع وعشرين ومائة، روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الخامس: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد تقدم. السادس: أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة، واسمه عبد الله بن حذيفة، وقيل: عدي بن كعب بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عويج