عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ١٨٣
اثنتين وأربعين ومائتين، عن اثنتين وتسعين سنة. الثاني: محمد بن إبراهيم بن دينار المدني، ويقال: الأنصاري، كان مفتي أهل المدينة مع مالك وعبد العزيز بن يزيد بن سلمة، فقيها فاضلا له بالعلم عناية. قال البخاري: هو معروف بالحديث. وقال أبو حاتم: ثقة، روى له الجماعة. الثالث: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، بكسر الذال المعجمة، القرشي العامري المدني الثقة. كبير الشان. وقال أحمد: كان ابن أبي ذئب أفضل من مالك إلا أن مالكا كان أشد تنقية للرجال منه، وأقدمه المهدي بغداد حتى حدث بها، ثم رجع يريد المدينة فمات بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة. ولد سنة ثمانين. الرابع: سعيد بن أبي سعيد المقبري المدني. الخامس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه.
بيان لطائف إسناده: منها: أن في التحديث والعنعنة. ومنها: أن رواته كلهم مدنيون. ومنها: أن كلهم أئمة أجلاء.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن إبراهيم بن المنذر عن ابن أبي فديك. وأخرجه الترمذي في المناقب عن محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر، كلاهما عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن أبي هريرة.
بيان الإعراب والمعاني: قوله: (قلت: يا رسول الله) ويروى: (قلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم). قوله: (كثيرا) صفة لقوله: حديثا، لأنه باعتبار كونه اسم جنس يطلق على الكثير والقليل. قوله: (أنساه) جملة في محل النصب لأنها صفة أخرى لقوله: (حديثا)، والنسيان جهل بعد العلم.
والفرق بينه وبين السهو أن النسيان زوال عن الحافظة والمدركة، والسهو زوال عن الحافظة فقط. والفرق بين السهو والخطأ أن السهو ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ ما لا يتنبه به. ويقال المأتي به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب، وإن كان لا على ما ينبغي ينظر، فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط، وإن كان من غير قصد منه فإن كان يتنبه بأيسر تنبيه فهو السهو، وإلا فهو الخطأ. والنسيان حالة تعتري الإنسان من غير اختياره توجب غفلته عن الحفظ. والغفلة ترك الالتفات بسبب أمر عارض.
قوله: (قال) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: (ابسط رداءك). قوله: (فبسطته) عطف على: (ابسط). وعطف الخبر على الإنشاء فيه خلاف، والذي يمنعه يقدر شيئا، والتقدير: لما قال: ابسط رداءك امتثلت أمره فبسطته. (فغرف) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده)، ولم يذكر المغروف ولا المغروف منه، لأنه لم يكن إلا إشارة محضة. قوله: (ضمه) بالهاء رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: ضم، بلا هاء. والضمير يرجع إلى الحديث يدل عليه ما روي في غير الصحيح: (فغرف بيديه، ثم قال: ضم...) الحديث، وفي بعض طرقه عند البخاري: (لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعها إلى صدره فينسى من مقالتي شيئا أبدا. فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيب من مقالته تلك إلى يومي هذا). وفي مسلم: (أيكم يبسط ثوبه فيأخذ) فذكره بمعناه، ثم قال: (فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به). ففي قوله: بعد ذلك اليوم دليل على العموم، وعلى أنه بعد ذلك لم ينس شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، لا أن ذلك خاص بتلك المقالة، كما يعطيه ظاهر قوله: (من مقالته تلك)، ويعضد العموم ما جاء في حديث أبي هريرة: (إنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينسى). ففعل ما فعل ليزول عنه النسيان. قلت: تنكير: شيئا، بعد النفي يدل على العموم، لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه، فدل على العموم في عدم النسيان لكل شيء من الحديث وغيره. فإن قلت: قوله: (فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا)، يدل على تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط. وقوله: (فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به)، يدل على تخصيص عدم النسيان بالحديث فقط. قلت: الجواب يفهم مما ذكرناه الآن، وكيف لا وأبو هريرة استدل بذلك على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، أو نقول: ويحتمل أن يكون قد وقعت له قضيتان: إحداهما خاصة. والأخرى: عامة. فإن قلت: ما هذه المقالة؟ قلت: هي مبهمة في جميع طرق الحديث من رواية الزهري، غير أنه صرح بها في طريق أخرى عن أبي هريرة، أخرجها أبو نعيم في (الحلية) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله تعالى فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة). وقال الشيخ قطب الدين: وقوله: (وضمه) فيه ثلاث لغات في الميم: الفتح والكسر والضم، وقال بعضهم: لا يجوز إلا الضم لأجل الهاء المضمومة بعده، واختاره الفارسي، وجوزه صاحب (الفصيح)
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»