عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
من قوله: (أحدثكم حديثا)؟ قلت: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المراد في عرف الشرع عند الإطلاق. وقوله: (قال: من تعمد...) الخ أيضا قرينة على هذا. فإن قلت: الحديث لا يمنع كثرة الحديث الصادق بل يجب التبليغ والتكثير إذا كان صادقا، فكيف جعله مانعا؟. قلت: كثرة الحديث، وإن كان صادقا، ينجر إلى الكذب غالبا عادة، ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، فالتعليل للاحتراز عن الانجرار إليه، ولو كان وقوعه على سبيل الندرة.
109 حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار).
هذا هو الحديث الرابع مما فيه المطابقة للترجمة.
بيان رجاله: وهم ثلاثة. الأول: المكي بن إبراهيم البلخي، وقد تقدم. الثاني: يزيد بن أبي عبيد أبو خالد الأسلمي، مولى سلمة بن الأكوع، توفي سنة ست أو سبع وأربعين ومائة، روى له الجماعة. الثالث: سلمة بفتح السين واللام: ابن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله الأسلمي المديني، يكنى سلمة بأبي مسلم، وقيل: بأبي إياس، وقيل: بأبي عامر. وقيل: هو عمرو بن الأكوع، شهد بيعة الرضوان وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث مرات: في أول الناس وأوسطهم وآخرهم. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وسبعون حديثا، اتفقا منها على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بتسعة، توفي بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة، روى له الجماعة، وكان شجاعا راميا محسنا يسبق الخيل، فاضلا خيرا، ويقال: إنه كلمه الذئب، قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبيا، فطلبته حتى نزعته منه، فقال: ويحك مالي ولك، عمدت إلى رزق رزقنيه الله تعالى ليس من مالك تنزعه مني؟ قال: قلت: أيا عباد الله إن هذا لعجب، ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان. قال: فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
بيان لطائف إسناده: ومنها: أن فيه التحديث والعنعنة. ومنها: أنه من ثلاثيات البخاري، وهو أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات، ويبلغ جميعها أكثر من عشرين حديثا، وبه فضل البخاري على غيره. ومنها: أن فيه المكي بن إبراهيم وهو من كبار شيوخ البخاري، سمع من سبعة عشر نفرا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور.
بيان الإعراب والمعنى: قوله: (يقول)، جملة وقعت حالا. قوله: (من يقل علي) كلمة: من، موصولة تتضمن معنى الشرط، وأصل: يقل، يقول. حذفت الواو للجزم لأجل الشرط، وجواب الشرط هو قوله: (فلتيبوأ). فلذلك دخلته الفاء. قوله: (ما لم أقل) كلمة: ما، موصولة و: أقل، جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما لم أقله. فإن قلت: أهذا مختص بالقول أم يتناول نسبة فعل إليه لم يفعله؟ قلت: اللفظ خاص بالقول، لكن لا شك أن الفعل في معناه لاشتراكهما في علة الامتناع، وهو الجسارة على الشريعة ومشرعها صلى الله عليه وسلم، وقد احتج بظاهر هذا الحديث الذي منع من رواية الحديث بالمعنى. وأجيب: من جهة المجوزين بأن المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغيير الحكم، على أن الإتيان باللفظ أولى بلا شك.
51 (حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي حبصن عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني فغن الشيطان لا يتمثل في صورتي ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) * هذا هو الحديث الخامس مما فيه مطابقة للترجمة * (بيان رجاله) وهم خمسة. الأول موسى بن إسماعيل المنقري البصري التبوذكي. الثاني أبو عوانة الوضاح اليشكري الثالث أبو حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين واسمه عمان بن عاصم بن حصين الكوفي سمع ابن عباس وأبي صالح وغيرهما وعنه شعبة والسفيانان وخلق وكان ثقة ثبتا صاحب سنة من حفاظ الكوفة وكان عنده أربع مائة حديث وكان عثمانيا مات سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة روى له الجماعة وليس في الصحيحين من اسمه عثمان وكنيته أبو حصين
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»