عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٣٢٤
ينطق بها. أي: قل فيما استطعت، وهو موافق لقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 233) والمقصود من هذه اللفظة التنبيه على أن المراد: فيما استطعت من الأمور المبايع عليها، هو: ما يطاق، كما هو المشترط في أصل التكليف، وفي قوله: لقنني، دلالة على كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الخطابي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطا في الذي يبايع عليه كالصلاة والزكاة، فلذلك تراه قرنها بهما. فإن قلت: لم اقتصر عليهما ولم يذكر الصوم وغيره؟ قلت: قال القاضي عياض: لدخول ذلك في السمع والطاعة، يعني المذكور، في الرواية الأخرى التي ذكرناها الآن، وقال غيره: إنما اقتصر عليهما لأنهما أهم أركان الدين وأظهرها، وهما العبادات: البدنية والمالية.
58 حدثنا أبو النعمان قال حدثنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة قال سمعت جرير بن عبد الله يقول يوم مات المغيرة بن شعبة قام فحمد الله وأثنى عليه وقال عليكم بإتقاء الله وحده لا شريك له والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير فإنما يأتيكم الآن ثم قال استعفوا لاميركم فإنه كان يحب العفو ثم قال أما بعد فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت أبايعك على الإسلام فشرط علي والنصح لكل مسلم فبايعته على هذا ورب هذا المسجد إني لناصح لكم ثم استغفر ونزل.
.
هذا الحديث يدل على بعض الترجمة المستلزم للبعض الآخر، إذ النصح لأخيه المسلم لكونه مسلما إنما هو فرع الإيمان بالله ورسوله.
بيان رجاله: وهم أربعة. الأول: أبو النعمان محمد بن الفضل، السدوسي البصري، المعروف بعارم، بمهملتين، وهو لقب رديء، لأن العارم: الشرير المفسد. يقال: عرم يعرم عرامة، بالفتح، وصبي عارم أي: شرير بين العرام، بالضم. وكان رحمه الله بعيدا منه، لكن لزمه هذا اللقب فاشتهر به، سمع ابن المبارك وخلائق، وروى عنه البخاري وغيره من الأعلام، قال أبو حاتم: إذا حدثك عارم فاختم عليه. وقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: اختلط أبو النعمان في آخر عمره وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح. وكتب عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة ومائتين، وروى عنه مسلم بواسطة، والأربعة كذلك، مات سنة أربع وعشرين ومائتين بالبصرة. الثاني: أبو عوانة، بالفتح، واسمه الوضاح اليشكري، وقد تقدم. الثالث: زياد بن علاقة، بكسر العين المهملة وبالقاف، ابن مالك الثعلبي، بالثاء المثلثة، الكوفي، أبو مالك، سمع جريرا وعمه قطبة بن مالك وغيرهما من الصحابة، وغيرهم. وعنه جماعات من التابعين منهم الأعمش، وكان يخضب بالسواد. قال يحيى بن معين: ثقة، مات سنة خمس وعشرين ومائة. الرابع: جرير رضي الله عنه.
بيان الأنساب: السدوسي: بفتح السين الأولى: نسبة إلى سدوس، اسم قبيلة. وقال الرشاطي: السدوسي، في بكر بن وائل، وفي تميم. فالذي في بكر بن وائل: سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، منهم من الصحابة قطبة بن قتادة، والذي في تميم: سدوس بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وأعلم أن كل سدوسي في العرب بفتح السين إلا سدوس بن أصمع بن أبي بن عبيد بن ربيعة بن نصر بن سعد بن نبهان بن طي، وقال ابن دريد: السدوس: الطيلسان. الثعلبي: بالثاء المثلثة في غطفان: ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وفي أسد بن خزيمة: ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث والعنعنة والسماع. ومنها: أن رواته ما بين كوفي وبصري وواسطي. ومنها: أنه من رباعيات البخاري.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري ههنا كما ترى، وأخرجه في الشروط عن أبي نعيم عن الثوري، وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة عن الثوري به. وأخرجه النسائي في البيعة، وفي السير عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقبري ، عن سفيان بن عيينة، وفي الشروط عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد عن شعبة عنه نحوه.
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 » »»