عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٨٠
الكرماني: وأصح التعاريف للأمر هو القول الطالب للفعل، وليس كذلك على ما لا يخفى، والأمر في الحقيقة هو المعنى القائم في النفس، فيكون قوله إفعل عبارة عن الأمر المجازي، تسمية للدال باسم المدلول قوله: (ويقيموا الصلاة) معنى إقامة الصلاة: إما تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها، من أقام العود إذا قومه، وإما المداومة عليها من قامت السوق إذا نفقت، وإما التجلد والتشمر في أدائها. من قامت الحرب على ساقها. وإما أداؤها تعبيرا عن الأداء بالإقامة، لأن القيام بعض أركانها، والصلاة هي العبادة المفتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم. قوله: (ويؤتوا الزكاة) أي: يعطوها، والزكاة هي القدر المخرج من النصاب للمستحق. قوله: (عصموا) أي: حفظوا وحقنوا، ومعنى العصم في اللغة المنع، ومنه العصام وهو الخيط الذي تشد به فم القربة. سمي به لمنعه الماء من السيلان. وقال الجوهري: العصمة الحفظ، يقال عصمه فانعصم، واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية، وعصم يعصم عصما بالفتح إذا اكتسب وقال بعضهم: العصمة مأخوذة من العصام؛ وهو الخيظ الذي يشد به فم القربة. قلت: هذا القائل قلب الاشتقاق، وإنما العصام مشتق من العصمة، لأن المصادر هي التي يشتق منها، ولم يقل بهذا إلا من لم يشم رائحة علم الاشتقاق. والدماء، جمع: دم، نحو: جمال، جمع: جمل إذ أصل دم: دمو، بالتحريك، وقال سيبويه: أصله دمي على: فعل بالتسكين لأنه يجمع على دماء ودمي، مثل: ظباء وظبي، ودلو ودلاء ودلى قال: ولو كان مثل قفا وعصى لما جمع على ذلك، وقال المبرد: أصله فعل بالتحريك، وإن جاء جمعه مخالفا لنظائره، والذاهب منه الياء، والدليل عليها قولهم في تثنيته دميان.
(بيان الأعراب) قوله: (أمرت) جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، وقعت مقولا للقول. قوله: (أن أقاتل) أصله: بأن أقاتل وحذف الباء الجارة من أن كثير سائغ مطرد، وأن مصدرية، تقديره: مقاتلة الناس. قوله: (حتى يشهدوا) كلمة حتى ههنا للغاية، بمعنى إلى. فإن قلت: غاية لماذا؟ قلت: يجوز أن يكون غاية للقتال، ويجوز أن يكون غاية للأمر به. قوله: (يشهدوا) منصوب بأن المقدرة إذ أصله: أن يشهدوا، وعلامة النصب سقوط النون لأن أصله: يشهدون. قوله: (أن لا إله الله) أصله بأن لا إله إلا الله، والدليل عليه ما جاء في الرواية الأخرى: حتى يقولوا. قوله: (وأن محمدا) عطف على أن لا إله إلا الله، والتقدير: وحتى يشهدوا أن محمدا رسول الله، قوله: (ويقيموا) عطف على يشهدوا أيضا، وأصله: وحتى يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة. قوله: (فإذا) للظرف، لكنه يتضمن معنى الشرط. قوله (ذلك) في محل النصب على أنه مفعول فعلوا، وهو إشارة إلى ما ذكر من شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتذكير الإشارة باعتبار المذكور. قوله: (عصموا) جملة من الفعل والفاعل جواب لإذا. وقوله: (دماؤهم) مفعول الجملة و (أموالهم) عطف عليه. قوله: (إلا بحق الإسلام) استثناء مفرغ، والمستثنى منه أعم عام الجار والمجرور، والعصمة متضمنة لمعنى النفي حتى يصح تفريغ الاستثناء، إذ هو شرطه، أي لا يجوز إهدار دمائهم، واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإسلام، والتحقيق فيه أن الاستثناء، المفرغ لا يكون إلا في النفي، وقال ابن مالك بجوازه في كل موجب في معنى النفي نحو: صمت إلا يوم الجمعة، إذ معناه لم أفطر؟ والتفريغ: إما في نهي صريح، كقوله تعالى * (ولا تقولوا على الله إلاالحق) * (النساء: 171) وفيما هو بمعناه: كالشرط في قوله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) * (الأنفال: 16) وأما في نفي صريح، كقوله تعالى: * (وما محمد إلا رسول) * (آل عمران: 144) أو فيما هو بمعناه، كقوله تعالى: * (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) * (الأحقاف: 35) ثم الإضافة في (بحق الإسلام)، يجوز أن تكون بمعنى اللام، ويجوز أن تكون بمعنى: من، وبمعنى: في، على ما لا يخفى. قوله (وحسابهم) كلام إضافي مبتدأ (وعلى الله) خبره، والمعنى: حسابهم بعد هذه الأشياء على الله في أمر سرائرهم.
(بيان المعاني والبيان) قوله: (أمرت) أقيم فيه المفعول مقام الفاعل لشهرة الفاعل ولتعينه بذلك، إذ لا آمر للرسول صلى الله عليه وسلم، غير الله تعالى، والتقدير: أمرني الله تعالى بأن أقاتل الناس، وكذلك إذا قال الصحابي: أمرنا بكذا، يفهم منه أن الآمر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لا آمر بينهم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المشرع وهو المبين، وأما إذا قال التابعي: أمرنا بكذا، فإن ذلك محتمل، وقال الكرماني: إذا قال الصحابي: أمرنا بكذا فهم منه أن الرسول، عليه السلام، هو الآمر له، فإن من اشتهر بطاعة رئيسه إذا قال ذلك فهم منه أن الرئيس
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»