بكر، رضي الله عنه، في شأن قتال مانعي الزكاة، وفيه فقال عمر، رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابهم على الله) فقال أبو بكر، رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فانتقال أبي بكر، رضي الله عنه، إلى القياس، واعتراض عمر، رضي الله عنه، عليه أولى دليل على أنه خفي عليهما وعلى من حضرهما من الصحابة رضي الله عنهم، حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، المذكور كما خفي عليهم حديث جزية المجوس، وشأن الطاعون، لأنه لو استحضروه لم ينتقل أبو بكر، رضي الله عنه إلى القياس، ولم ينكر عمر، رضي الله عنه، على أبي بكر، رضي الله عنه، قلت: ومن هذا قال بعضهم: في صحة حديث ابن عمر المذكور نظر، لأنه لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر، رضي الله عنه، في قتال مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله، عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، ولما انتقل من الاستدلال بهذا النص إلى القياس، إذ قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة لأنها قرينتها في كتاب الله، عز وجل. وأجيب عن ذلك: بأنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند ابن عمر، رضي الله عنهما، أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضرا له فقد يحتمل أن لا يكون حضر المناظرة المذكورة ولا يمتنع أن يكون ذكره لما بعد، وقالوا: لم يستدل أبو بكر، رضي الله عنه، في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل استدل أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره: (إلا بحق الإسلام) قال أبو بكر، رضي الله عنه: والزكاة حق الإسلام. وقالوا أيضا: لم ينفرد ابن عمر، رضي الله عنه، بالحديث المذكور، بل رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، بزيادة الصلاة والزكاة فيه كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. قلت: في القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، رضي الله عنهم، ويطلع عليها آحادهم. الحادي عشر: فيه أن من أتى بالشهادتين، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وإن كان لا يؤاخذ لكونه معصوما، لكنه يؤاخذ بحق من حقوق الإسلام من نحو قصاص أو حد أو غرامة متلف ونحو ذلك، وقال الكرماني: إلا بحق الإسلام من: قتل النفس وترك الصلاة ومنع الزكاة. قلت: قوله: من قتل النفس، لا خلاف فيه أن عصمة دمه تزول عند قتل النفس المحرمة. وأما قوله: وترك الصلاة، فهو بناء على مذهبه، وأما قوله: ومنع الزكاة، ليس كذلك، فإن مذهب الشافعي: أن مانع الزكاة لا يقتل، ولكنه يؤخذ منه قهرا، وأما إذا انتصب للقتال فإنه يقاتل بلا خلاف، وقد بيناه عن قريب. الثاني عشر: فيه وجوب قتال الكفار إذا أطاقه المسلمون حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا من أهلها.
الأسئلة والأجوبة منها ما قيل: إذا شهد وأقام وأدى فمقتضى الحديث أن يترك القتال، وإن كفر بسائر ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس كذلك. وأجيب: بأن الشهادة برسالته تتضمن التصديق بما جاء به، مع أنه يحتمل أنه ما جاء بسائر الأشياء إلا بعد صدور هذا الحديث، أو علم ذلك بدليل آخر خارجي، كما جاء في الرواية الأخرى (ويؤمنوا بي وبما جئت به) ومنها ما قيل: لم نص على الصلاة والزكاة مع أن حكم سائر الفرائض كحكمهما؟ وأجيب: لكونهما أما العبادات البدنية والمالية والعيار على غيرهما والعنوان له، ولذلك سمى الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام. ومنها ما قيل: إذا شهدوا عصموا وإن لم يقيموا ولم يؤتوا، إذ بعد الشهادة لا بد من الانكفاف عن القتال في الحال، ولا تنتظر الإقامة والإيتاء ولا غيرهما وكان حق الظاهر أن يكتفي بقوله: (إلا بحق الإسلام)، فإن الإقامة والإيتاء منه. وأجيب: بأنه إنما ذكرهما تعظميا لهما واهتماما بشأنهما وإشعارا بأنهما في حكم الشهادة، أو المراد ترك القتال مطلقا مستمرا، لا ترك القتال في الحال الممكن إعادته بترك الصلاة والزكاة، وذلك لا يحصل إلا بالشهادة وإيتاء الواجبات كلها.
18 ((باب من قال: إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى * (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعلمون) *)) الكلام فيه على أنواع الأول: إن لفظ باب مضاف إلى ما بعده ولا يجوز غيره قطعا، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ