(بيان لطائف إسناده) ومنها: أن رجاله كلهم مدنيون ما خلا عبد الله. ومنها: أن فيه التحديث والإخبار والعنعنة. ومنها: أن في رواية الأكثرين: أخبرنا مالك، وفي رواية الأصيلي: حدثنا مالك بن أنس، وفي رواية كريمة: مالك بن أنس، والحديث في الموطأ.
(بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره:) أخرجه هنا عن عبد الله عن مالك، وأخرجه في البر والصلة عن أحمد بن يونس عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري. وأخرجه مسلم هنا أيضا عن الناقدي، وزهير عن سفيان، وعن عبد الله بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ولم يقع لمسلم لفظة: دعه، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا.
(بيان اللغات): قوله: (مر علي رجل) يقال: مر عليه ومر به، بمعنى واحد. أي: اجتازه، وفي (العباب): مر عليه وبه يمر مرا، أي: اجتاز، وبنو يربوع يقولون: مر علينا بكسر الميم، ومر يمر مرا ومرورا وممرا أي ذهب، والممر موضع المرور أيضا. والأنصار: جمع الناصر كالأصحاب جمع الصاحب، أو جمع النصير كالأشراف جمع الشريف. قوله: (يعظ أخاه) أي: ينصح أخاه من الوعظ وهو: النصح والتذكير بالعواقب. وقال ابن فارس: هو التخويف والإنذار. وقال الخليل بن أحمد هو التذكير بالخير فيما يرق القلب. وفي (العباب): الوعظ والعظة والموعظة مصادر قولك: وعظته عظة. قوله: (دعه) أي: أتركه، وهو أمر لا ماضي له، قالوا: أماتوا ماضي يدع ويذر. قلت: استعمل ماضي: دع، ومنه قراءة من قرأ * (ما ودعك ربك) * (الضحى: 3) بالتخفيف فعلى هذا هو أمر من: ودع يدع، وأصل يدع: يودع، حذفت الواو فصار: يدع، والأمر: دع، وفي (العباب) قولهم: دع ذا أي: أتركه، وأصله، ودع يدع، وقد أميت ماضيه. لا يقال: ودعه، إنما يقال: تركه ولا: وادع، ولكن: تارك، وربما جاء في ضرورة الشعر: ودعه، فهو مودوع على أصله قال أنس بن زنينم.
* ليت شعري عن خليلي ما الذي * غاله في الوعد حتى ودعه * ثم قال الصغاني: وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم أصل هذه اللغة فيما روى ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال قرأ * (وما ودعك ربك) * (الضحى: 3) بالتخفيف أعني؛ بتخفيف الدال، وكذلك قرأ بهذه القراءة: عروة ومقاتل وأبو حيوة وابن أبي عبلة ويزيد النحوي، رحمهم الله تعالى.
(بيان الإعراب) قوله: (مر علي رجل) جملة في محل الرفع لأنها وقعت خبرا، لأن قوله: (من الأنصار) صفة لرجل، والألف واللام فيه للعهد، أي: أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آووا ونصروا من أهل المدينة، رضي الله عنهم. قوله: (وهو يعظ أخاه) جملة اسمية محلها النصب على الحال. قوله: (في الحياء) يتعلق بقوله: يعظ، قوله: (ودعه) جملة من: الفعل والفاعل والمفعول لأنها وقعت مقول القول، قوله: (فإن الحياء) الفاء فيه للتعليل.
(بيان المعاني والبيان) قوله: (وهو يعظ أخاه) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الرجل الذي وعظ أخا للواعظ في الإسلام، على ما هو عرف الشرع، فعلى هذا يكون مجازا لغويا، أو حقيقة عرفية، والآخر وهو الظاهر: أن يكون أخاه في القرابة والنسب، فعلى هذا هو حقيقة، قوله: (في الحياء) فيه حذف، أي: في شأن الحياء وفي حقه معناه أنه ينهاه عنه ويخوفه منه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن وعظه، فقال: دعه، أي: اتركه على حيائه، فإن الحياء من الإيمان. وقال التيمي: الوعظ الزجر، يعني يزجره عن الحياء، ويقول له: لا تستحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه يستحي فإن الحياء من الإيمان، إذ الشخص يكف عن أشياء من مناهي الشرع للحياء، ويكثر مثل هذا في زماننا. وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي، كما يمنع الإيمان فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وقال بعضهم: الأولى أن نشرح يعني قوله: يعظ بما جاء عن المصنف في الأدب من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب. ولفظه: (يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضربك). انتهى. قلت: هذا بعيد من حيث اللغة، فإن معنى الوعظ الزجر، ومعنى العتب الوجد. وفي (العباب): عتبة عليه إذا وجد، يعتب عليه، ويعتب عتبا ومعتبا، على أن الروايتين تدلان على معنيين جليين ليس في واحد منهما خفاء حتى يفسر أحدهما بالآخر، غاية في الباب أن الواعظ المذكور وعظ أخاه في استعماله الحياء، وعاتبه عليه. والراوي حكى في إحدى روايتيه بلفظ الوعظ، وفي الأخرى بلفظ المعاتبة، وذلك أن