عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٧٥
بعضهم، لأن العرب تعبر عن العفة بنقاء الثوب والمئزر، وجره عبارة عما فضل عنه وانتفع الناس به، بخلاف جره في الدنيا للخيلاء فإنه مذموم. فإن قيل: يلزم من الحديث أن يكون عمر رضي الله عنه، أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لأن المراد بالأفضل الأكثر ثوابا، والأعمال علامات الثواب، فمن كان دينه أكثر فثوابه أكثر، وهو خلاف الاجماع. قلت: لا يلزم، إذ القسمة غير حاصرة لجواز قسم رابع سلمنا انحصار القسمة، لكن ما خصص القسم الثالث بعمر رضي الله عنه، ولم يحصره عليه سلمنا التخصيص به، لكنه معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق رضي الله عنه، بحسب تواتر القدر المشترك بينها، ومثله يسمى بالمتواتر من جهة المعنى، فدليلكم آحاد ودليلنا متواتر، سلمنا التساوي بين الدليلين. لكن الإجماع منعقد على أفضليته وهو دليل قطعي، وهذا دليل ظني، والظن لا يعارض القطع، وهذا الجواب يستفاد من نفس تقرير الدليل، وهذه قاعدة كلية عند أهل المناظرة في أمثال هذه الإيرادات، بأن يقال: ما أردته إما مجمع عليه أو لا، فإن كان فالدليل مخصوص بالإجماع وإلا فلا يتم الإيراد إذ لا إلزام إلا بالمجمع عليه. لا يقال: كيف يقال: الإجماع منعقد على أفضلية الصديق رضي الله تعالى عنه، وقد أنكر ذلك طائفة الشيعة والخوارج من العثمانية، لأنا نقول: لا اعتبار بمخالفة أهل الضلال، والأصل إجماع أهل السنة والجماعة.
(بيان استنباط الفوائد) منها: الدلالة على تفاضل أهل الإيمان، ومنها: الدلالة على فضيلة عمر رضي الله عنه. ومنها: تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عنها. ومنها: جواز إشاعة العالم الثناء على الفاضل من أصحابه إذا لم يحس به بإعجاب ونحوه، ويكون الغرض التنبيه على فضله لتعلم منزلته ويعامل بمقتضاها، ويرغب الاقتداء به والتخلق بأخلاقه.
16 ((باب الحياء من الإيمان)) أي: هذا باب، والباب منون، والحياء مرفوع سواء أضفت إليه الباب أم لا، لأنه مبتدأ، ومن الإيمان، خبر. فإن قلت: قد قلت: إن الباب منون ولا شك أنه خبر مبتدأ محذوف، فيكون جملة، وقوله: الحياء من الإيمان جملة أخرى، وعلى تقدير عدم الإضافة ما الرابطة بين الجملتين؟ قلت: هي محذوفة تقدير الكلام: هذا باب فيه الحياء من الإيمان يعني بيان أن الحياء من الإيمان وبيان تفسير الحياء ووجه كونه من الإيمان قد تقدما في باب أمور الإيمان.
وجه المناسبة بين البابين أن في الباب الأول بيان تفاضل الإيمان في الأعمال، وهذا الباب أيضا من جملة ما يفضل به الإيمان، وهو الحياء الذي يحجب صاحبه عن أشياء منكرة عند الله وعند الخلق.
24 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان.
(الحديث 24 طرفه في: 6118) الحديث مطابق للترجمة لأنه أخذ جزأ منه فبوب عليه كما هو عادته.
بيان رجاله: وهم خمسة: الأول: عبد الله بن يوسف التنيسي، نزيل دمشق، وقد ذكره. الثاني: الإمام مالك بن أنس. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة على أحد الأقوال، وقال ابن المسيب: كان سالم أشبه ولد عبد الله بعبد الله، وعبد الله أشبه ولد عمر بعمر، رضي الله عنه، وقال مالك: لم يكن في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد منه، كان يلبس الثوب بدرهمين. وقال ابن راهويه: أصح الأسانيد كلها: الزهري، عن سالم، عن أبيه. وكان أبوه يلام في إفراط حب سالم، وكان يقبله ويقول: ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخا؟ مات بالمدينة سنة ست ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ثمان، وصلى عليه هشام بن عبد الملك، وله أخوة: عبد الله وعاصم وحمزة وبلال وواقد وزيد، وكان عبد الله وصى أبيهم فيهم، وروى عنه منهم أربعة: عبد الله وسالم وحمزة وبلال. الخامس: عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»