والتفاوت في شيء فيه القلة والكثرة ظاهر وهو عين التفاضل، لا يقال: الحديث إنما يدل على تفاضلهم في ثواب الأعمال لا في نفس الأعمال، إذ المقصود منه بيان أن بعض المؤمنين يدخلون الجنة أول الأمر، وبعضهم يدخلون آخرا لأنا نقول: يدل على تفاوت الناس في الأعمال أيضا، لأن الإيمان: إما التصديق وهو عمل القلب، وإما التصديق مع العمل، وعلى التقديرين قابل للتفاوت، إذ مثقال الحبة إشارة إلى ما هو أقل منه أو تفاوت الثواب مستلزم لتفاوت الأعمال شرعا، ويحتمل أن يراد من الأعمال ثواب الأعمال، إما تجوزا بإطلاق السبب وإرادة المسبب، وإما إضمارا بتقدير لفظ الثواب مضافا إليها.
(بيان رجاله) وهم خمسة: الأول: إسماعيل بن عبد الله أبي أويس بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، عم مالك بن أنس أخي الربيع وأنس وأبي سهيل نافع أولاد مالك بن أبي عامر؛ وإسماعيل هذا ابن أخت الإمام مالك بن أنس، سمع: خاله وأباه وأخاه عبد المجيد وإبراهيم بن سعد وسليمان بن بلال وآخرين، روى عنه: الدارمي والبخاري ومسلم وغيرهم من الحفاظ، وروى مسلم أيضا عن رجل عنه، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجة، ولم يخرج له النسائي لأنه ضعفه، وقال أبو حاتم: محله الصدق وكان مغفلا، وقال يحيى بن معين: هو ووالده ضعيفان، وعنه: يسرقان الحديث، وعنه: إسماعيل صدوق ضعيف العقل ليس بذلك، يعني: أنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه ويقرأ في غير كتابه، وعنه: مختلط يكذب ليس بشيء، وعنه: يساوي فلسين، وعنه: لا بأس به. وكذلك قال أحمد: قال أبو القاسم اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه بما يؤدي إلى تركه، ولعله بان له ما لم يبن لغيره، لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف. وقال الدارقطني: لا اختاره في الصحيح. وقال ابن عدي: روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليها. وأثنى عليه ابن معين وأحمد، والبخاري يحدث عنه بالكثير وهو خير من أبيه، وقال الحاكم: عيب على البخاري ومسلم إخراجهما حديثه وقد احتجا به معا، وغمزه من يحتاج إلى كفيل في تعديل نفسه، أعني: النضر بن سلمة، أي: فإنه قال: كذاب. قلت: قد غمزه من لا يحتاج إلى كفيل، ومن قوله حجة مقبولة. وقد أخرجه البخاري عن غيره أيضا، فاللين الذي فيه يجبر إذن. مات في سنة ست، ويقال: في رجب سنة سبع وعشرين ومائتين. الثاني: مالك بن أنس، وقد تقدم ذكره. الثالث: عمرو، بفتح العين، ابن يحيى بن عمارة، ووقع بخط النووي في شرحه عثمان وهو تحريف، ابن أبي حسن تميم بن عمرو، وقيل: يحيى بن عمرو، حكاه الذهبي في الصحابة، ابن قيس بن يحرث بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار الأنصاري المازني المدني روى عن أبيه وعن غيره من التابعين، وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري وغيره من التابعين وغيرهم، والأنصاري من أقرانه، وروى عن يحيى بن كثير وهو من أقرانه أيضا، وثقه أبو حاتم والنسائي، توفي سنة أربعين ومائة. وعمارة صحابي بدري عقبي، ذكره أبو موسى وأبو عمر، وفيه نظر. نعم، أبوه صحابي عقبي بدري، وقال ابن سعد: وشهد الخندق وما بعد هذا، وأم عمرو هذا هي أم النعمان بنت أبي حنة، بالنون، ابن عمرو بن غزية بن عمرو بن عطية ابن خنساء بن مندول بن عمرو بن غانم بن مازن بن النجار. الرابع: أبو يحيى بن عثمان بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، سمع: أبا سعيد وعبد الله بن زيدذ، وعنه ابنه والزهري وغيرهما، روى له الجماعة. الخامس: أبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه.
(بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره): أخرجه البخاري هنا عن إسماعيل عن مالك، وفي صفة الجنة والنار عن وهيب بن خالد، وأخرجه مسلم في الإيمان عن هارون عن ابن وهب عن مالك، وعن أبي بكر عن عفان عن وهيب، وعن حجاج ابن الشاعر عن عمرو بن عون عن خالد بن عبد الله ثلاثتهم عن عمرو بن يحيى به، ووقع هذا الحديث للبخاري عاليا برجل عن مسلم، وأخرجه النسائي أيضا. وهذا الحديث قطعة من حديث طويل يأتي إن شاء الله تعالى، وقد وافق إسماعيل على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك، وليس هو في الموطأ، قال الدارقطني: هو غريب صحيح، وفي رواية الدارقطني من طريق إسماعيل: (يدخل الله)، وزاد من طريق معن: (يدخل من يشاء برحمته)، وكذا الإسماعيلي على طريق ابن وهب.
(بيان اللغات) قوله: (مثقال حبة) المثقال: كالمقدار لفظا ومعنى، مفعال من الثقل، وفي (العباب): مثقال الشيء ميزانه من مثله، وقوله تعالى: * (مثقال ذرة) * (النساء: 40) أي: زنة ذرة، قال:
* وكلا يوافيه الجزاء بمثقال * أي: بوزن. وحكى أبو نصر: ألقى عليه