الذي هو الجمع ثدوي، على وزن فعول، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت: ثدي، بضم الدال، ثم أبدلت كسرة من ضمة الدال لأجل الياء، فصار ثديا، وجاء أيضا: ثدي، بكسر الثاء أيضا اتباعا لما بعدها من الكسرة، وجاء جمعه أيضا على: أثد، وأصله: أثدي، على وزن أفعل: كيد تجمع على أيد، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان فحذفت الياء، فصار: أثد، وقال الجوهري: الثدي يذكر ويؤنث، وهي للمرأة والرجل جميعا. وقيل: يختص بالمرأة، والحديث يرد عليه، والمشهور ما نص عليه الجوهري، وفي (كتاب خلق الإنسان) وفي الصدر ثديان وثلاثة أثد، فإذا كثرت فهي الثدي، يقال: امرأة ثدياء إذا كانت عظيمة الثديين، ولا يقال رجل أثدأ. قوله: (أولت) من التأويل، وهو تفسير ما يؤول إليه الشيء، والمراد هنا التعبير، وفي اصطلاح الأصوليين التأويل تفسير الشيء بالوجه المرجوح، وقيل: هو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح بدليل يصيره راجحا، وهذا أخص منه، وأما تفسير القرآن فهو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، وأما تأويله فهو ما يستخرج بحسب القواعد العربية.
(بيان الإعراب): قوله: (بينا). أصله: بين، أشبعت الفتحة فصارت ألفا، وقال الجوهري: بينا، فعلى مشبعة الفتحة قال الشاعر:
* فبينا نحن نرقبه أتانا * أي: بين أوقات رقبتنا إياه، والجمل يضاف إليها أسماء الزمان نحو: أتيتك زمن الحجاج أمير، ثم حذف المضاف الذي هو: أوقات، وولي الظرف الذي هو: بين الجملة التي أقيمت مقام المضاف إليها، والأصمعي يستفصح طرح إذ وإذا في جوابه، واخرون يقولون: بينا أنا قائم إذ جاء أو إذا جاء فلان، والذي جاء في الحديث هو الفصيح، فلذلك اختاره الأصمعي، رحمه الله تعالى. قوله: (أنا) مبتدأ، أو (نائم) خبره، وقوله: رأيت الناس، جواب بينا من الرؤية بمعنى: الإبصار فيقتضي مفعولا واحدا، وهو قوله: الناس، فعلى هذا يكون قوله: (يعرضون علي) جملة حالية، ويجوز أن يكون من الرؤيا بمعنى العلم فيقتضي حينئذ مفعولين، وهما قوله: الناس يعرضون علي ويجوز رفع الناس على أنه مبتدأ وخبره، قوله: يعرضون علي، والجملة مفعول قوله رأيت، كما في قول الشاعر:
* رأيت الناس ينتجعون غيثا * فقلت لصيدح: انتجعي بلالا * ويروى: سمعت الناس، والقائل هو ذو الرمة الشاعر المشهور، وصيدح علم الناقة. وينتجعون من: انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفه، وأراد ببلال هو: بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة، كان جوادا ممدوحا رحمه الله. قوله: (وعليهم قمص) جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (منها) أي: من القمص، وهو خبر لقوله: ما يبلغ الثدي، وما موصولة في محل الرفع على الابتداء، و: الثدي، منصوب لأنه مفعول، يبلغ، وكذلك إعراب قوله: ومنها دون ذلك، أي: أقصر، فيكون: فوق الثدي لم ينزل إليه ولم يصل به لقلته. قوله: (وعرض) على صيغة المجهول، وعمر بن الخطاب، مسند إليه مفعول ناب عن الفاعل. قوله: (وعليه قميص) جملة اسمية وقعت حالا. وقوله: يجره، جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المرفوع الذي فيه العائد إلى عمر رضي الله عنه، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى القميص، والجملة في محل الرفع لأنها صفة للقميص، ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال من الأحوال المتداخلة، وقد علم أن الجملة الفعلية المضارعية إذا وقعت حالا وكانت مثبتة تكون بلا واو. قوله: (قالوا)، أي: الصحابة. قوله: (ذلك) مفعول قوله: أولت، قوله: (الدين) بالنصب أي: أولت الدين.
(بيان المعاني والبيان) فيه من الفصاحة استعمال جواب بينا بدون إذ وإذ. ومنها: استعمال جمع الكثرة في الثدي لأجل المطابقة، وفيه من التشبيه البليغ، وهو أنه شبه الدين بالقميص، ووجه التشبيه الستر، وذلك أن القميص يستر عورة الإنسان ويحجبه من وقوع النظر عليها، فكذلك الدين يستره من النار ويحجبه عن كل مكروه، فالنبي صلى الله عليه وسلم، إنما أوله الدين بهذا الاعتبار. وقال أهل العبارة: القميص في النوم معناه الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى بها، وقال ابن بطال: معلوم أن عمر رضي الله عنه، في إيمانه أفضل من عمل من بلغ قميصه ثديه، وتأويله عليه السلام، ذلك بالدين يدل على أن الإيمان الواقع على العمل يسمى دينا، كالإيمان الواقع على القول. وقال القاضي: أخذ ذلك أهل التعبير من قوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * (المدثر: 4) يريد به نفسك، وإصلاح عملك ودينك على تأويل