عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٧١
كلمة: ثم، ههنا واقعة في موقعها، وهو الترتيب مع المهلة. قوله: (أخرجوا) بفتح الهمزة، لأنه أمر من الإخراج، وهو خطاب للملائكة. وقوله: (من كان في قلبه) إلى آخره... جملة في محل النصب على أنها مفعول لقوله: أخرجوا، و: (من)، موصولة، وقوله: (كان في قلبه مثقال حبة) صلتها، و: (مثقال حبة)، كلام إضافي مرفوع لأنه اسم كان وخبره هو: قوله: (في قلبه) مقدما، وقيل: يجوز أن يكون: أخرجوا، بضم الهمزة من الخروج، فعلى هذا يكون من، منادى قدحذف منه حرف النداء، والتقدير: أخرجوا يا من كان في قلبه مثقال حبة، وقوله: (من خردل) يتعلق بمحذوف وهو: حاصلة، والتقدير: مثقال حبة حاصلة من خردل، وهي في محل الجر على أنها صفة لمجرور، وقوله: (من إيمان) يتعلق بمحذوف آخر، والتقدير: من خردل حاصل من إيمان، وهو أيضا في محل الجر نحوها، ويجوز أن تتعلق: من، هذه بقوله: من كان، ولا يجوز أن يتعلق بفعل واحد حرفا جر من جنس واحد. فافهم. قوله: (فيخرجون منها) أي: من النار، والفاء فيه للاستئناف، تقديره: فهم يخرجون، كما في قوله تعالى: * (كن فيكون) * (البقرة: 117 وغيرها) قوله: (قد اسودوا) جملة قد وقعت حالا، أي: صاروا سودا كالفحم من تأثير النار. قوله: (فيلقون) على صيغة المجهول، جملة معطوفة على الجملة الأولى بالفاء التي تقتضي الترتيب، قوله: (شك مالك) جملة معترضة بين قوله: (فيلقون في نهر الحياة) وبين قوله: (فينبتون)، وأراد أن الترديد بين الحياء والحياة إنما هو من مالك بن أنس الإمام، وهو الذي شك فيه، وأخرج مسلم هذا الحديث من رواية مالك، فأيهم الشاك؟ وقد فسر هنا قوله: (فينبتون) عطف على قوله: فيلقون. قوله: (كما تنبت الحبة) الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والتقدير: كنبات الحبة، ومحل الجملة: النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، أي: فينبتون نباتا كنبات الحبة، قوله: (ألم تر) خطاب لكل من يتأتى منه الرؤية. قوله: (تخرج) جملة في محل الرفع لأنها خبر إن، قوله: (صفراء ملتوية) حالان متداخلتان أو مترادفتان.
(بيان المعاني والبيان) قوله: (يدخل) فعل مضارع وقد علم أنه صالح للحال والاستقبال، فقيل: حقيقة في الحال، مجاز في الاستقبال، وقيل: بالعكس. وقال ابن الحاجب: الصحيح أنه مشترك بينهما لأنه يطلق عليهما على السوية، وهو دليل الاشتراك. وفي قوله: على السوية، نظر لا يخفى، ثم إنه لا يخلص للاستقبال إلا بالسين ونحوه، وكان القياس ههنا أن يذكر بأداة مخلصة للاستقبال، لأن دخول الجنة والنار إنما هو في الاستقبال، ولكنه محقق الوقوع ذكره بصورة الحال. قوله: (من إيمان) ذكره منكرا لأن المقام يقتضي التقليل، ولو عرف لم يفد ذلك، فإن قلت: فيكفيه الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به، لأنه إيمان ما. قلت: لا يكفيه لأنه علم، من عرف الشرع أن المراد من الإيمان هو الحقيقة المعهودة عرف أو نكر. قوله: (مثقال حبة من خردل)، من باب التمثيل ليكون عيارا في المعرفة، وليس بعيار في الوزن، لأن الإيمان ليس بجسم يحصره الوزن أو الكيل، لكن ما يشكل من المعقول قد يرد إلى عيار المحسوس ليفهم، ويشبه به ليعلم، والتحقيق فيه أنه يجعل عمل العبد، وهو عرض في جسم على مقدار العمل عند الله، ثم يوزن ويدل عليه ما جاء مبينا، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة. وقال إمام الحرمين: الصحف المشتملة على الأعمال يزنها الله تعالى على قدر أجور الأعمال، وما يتعلق بها من ثوابها وعقابها، وجاء به الشرع وليس في العقل ما يحيله، ويقال: للوزن معنيان: أحدهما هذا، والآخر تمثيل الأعراض بجواهر، فيجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وحكى الزجاج وغيره من المفسرين من أهل السنة أنه: إنما يوزن خواتيم الأعمال، فإن كانت خاتمة عمله حسنا جوزي بخير، ومن كانت خاتمة عمله شرا جوزي بشر. ثم علم: أن المراد بحبة الخردل زيادة على أصل التوحيد، وقد جاء في الصحيح بيان ذلك، ففي رواية فيه: (اخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن كذا)، ثم بعد هذا يخرج منها من لم يعمل خيرا قط غير التوحيد، وقال القاضي: هذا هو الصحيح، إذ معنى الخير ههنا أمر زائد على الإيمان، لأن مجرده لا يتجزى، وإنما يتجزى الأمر الزائد عليه وهي الأعمال الصالحة، من: ذكر خفي، أو شفقة على مسكين، أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة في عمل وشبهه. وذكر القاضي عن قوم أن المعنى في قوله: من إيمان ومن خير: ما جاء منه أي: من اليقين، إلا أنه قال: المراد ثواب الإيمان الذي هو التصديق، وبه يقع التفاضل، فإن اتبعه بالعمل عظم ثوابه، وإن كان على خلاف
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»