عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٨٧
في التابعين أنبل من سعيد بن المسيب، وهو أثبتهم. وقال النووي في (تهذيب الأسماء): وأما قولهم: إنه أفضل التابعين، فمرادهم أفضلهم في علوم الشرع، وإلا ففي (صحيح) مسلم عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وبه بياض، فمروه فليستغفر لكم). وقال أحمد بن عبد الله: كان صالحا فقيها من الفقهاء السبعة بالمدينة، وكان أعور. وقال ابن قتيبة: كان جده حزن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أنت سهل، قال: لا بل أنا حزن، ثلاثا، قال سعيد: فما زلنا نعرف تلك الحزونة فينا، ففي ولده سوء خلق، وكان حج أربعين حجة لا يأخذ العطاء، وكان له بضاعة أربع مائة دينار يتجر بها في الزيت، وكان جابر بن الأسود على المدينة، فدعى سعيدا إلى البيعة لابن الزبير فأبى، فضربه ستين سوطا وطاف به المدينة، وقيل: ضربه هشام بن الوليد أيضا حين امتنع للبيعة للوليد وحبسه وحلقه، مات سنة ثلاث أو أربع أو خمس وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالمدينة، وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء، لكثرة من مات فيها منهم. وقال الشيخ قطب الدين في (شرحه) وفي نسب سعيد هذا يتفاضل النساب في تحقيقه، فإن في بني مخزوم عابدا، بالباء الموحدة والدال المهملة، وعايذ بالمثناة آخر الحروف والذال المعجمة، فالأول: هو عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ومن ولده السائب والمسيب ابنا أبي السائب، واسم أبي السائب صيفي بن عابد بن عبد الله، وولده عبد الله بن السائب، شريك النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: (نعم الشريك)، وقيل: الشريك أبوه السائب، وعتيق بن عابد بن عبد الله، وكان على خديجة أم المؤمنين، رضي الله عنها، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما عايذ بن عمران فمن ولده: سعيد وأبوه كما تقدم، وفاطمة، أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنت عمرو بن عايذ بن عمران وهبيرة بن أبي وهيب بن عمرو بن عايذ بن عمران، وهبيرة هذا هو زوج أم هانىء بنت أبي طالب فر من الإسلام يوم فتح مكة، فمات كافرا بنجران والله أعلم. السادس: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر، رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
(بيان لطائف اسناده): منها: ان فيه التحديث والعنعنة. ومنها: ان فيه شيخين للبخاري. ومنها: أن فيه أربعة كلهم مدنيون (بيان من أخرجه غيره): أخرجه مسلم أيضا في كتاب الإيمان، وأخرجه النسائي أيضا نحوه، وفي رواية للنسائي: (أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله) ولم يزد وأخرجه الترمذي ايضا ولفطه: (قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال خير)؟ وذكر الحديث وفيه قال: (الجهاد سنام العمل) (بيان اللغات): قوله: (أفضل) أي: الأكثر ثوابا عند الله، وهو أفعل التفضيل من فضل يفضل، من باب: دخل يدخل، ويقال: فضل يفضل من باب: سمع يسمع، حكاها ابن السكيت، وفيه لغة ثالثة: فضل بالكسر، يفضل بالضم، وهي مركبة شاذة لا نظير لها. قال سيبويه: هذا عند أصحابنا إنما يجيء على لغتين، قال: وكذلك: نعم ينعم، ومت تموت، ودمت تدوم، وكدت تكاد، وفي (العباب): فضلته فضلا أي: غلبته بالفضل، وفضل منه شيء، والفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة. قوله: (الجهاد) مصدر جاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادا، وهو من الجهد بالفتح، وهو المشقة وهو القتال مع الكفار لإعلاء كلمة الله؛ والسبيل: الطريق، يذكر ويؤنث. قوله: (حج مبرور) الحج في اللغة: القصد، وأصله من قولك: حججت فلانا أحجه حجا إذا عدت إليه مرة بعد أخرى، فقيل: حج البيت، لأن الناس يأتونه في كل سنة، قاله الأزهري. وفي (العباب): رجل محجوج أي: مقصود، وقد حج بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف إليه قال المخبل السعدي:
* واشهد من عوف حلولا كثيرة * يحجون سب الزبرقان المزعفرا * قال ابن السكيت: يقول: يكثرون الاختلاف إليه هذا الأصل، ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة حرسها الله للنسك تقول: حججت البيت أحجه حجا فأنا حاج، ويجمع على حجج، مثل: بازل وبزل، وعائد وعوذ إنتهى. وفي الشرع: الحج، قصد زيارة البيت على وجه التعظيم. وقال الكرماني: الحج قصد الكعبة للنسك بملابسة الوقوف بعرفة. قلت: الحلول، بضم الحاء المهملة، يقال: قوم حلول، أي: نزول، وكذلك: حلال، بالكسر، والسب، بكسر السين المهملة وتشديد الباء الموحدة:
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»