عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٦٨
كثير في الإسناد والمتن، أما في الإسناد ففيما مضى عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس. وههنا عن سليمان بن حرب، عن شعبة عن قتادة، عن أنس. وأما في المتن: ففيما مضى لفظه أن يكون الله ورسوله أحب، وأن يحب المرء، وأن يكره، وأن يقذف موضع أن يلقى، وههنا كما تراه مع زيادة؛ (بعد أن أنقذه الله)، على أن المقصود من إيراده ههنا تبويب آخر غير ذلك التبويب لما قلنا، وأما شيخ البخاري ههنا فهو أبو أيوب سليمان بن حرب بن بجيل، بفتح الباء الموحدة والجيم المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الساكنة وفي آخره لام. الأزدي الواشحي، بكسر الشين المعجمة والحاء المهملة، البصري، و: واشح بطن من الأزد، سكن مكة وكان قاضيها، سمع: شعبة والحمادين وغيرهم، وعنه: أحمد والذهلي والحميدي والنجاري، وهؤلاء شيوخه، وقد شاركهم في الرواية عنه، وروى عنه: أبو داود أيضا، وروى مسلم والترمذي وابن ماجة عن رجل عنه، قال أبو حاتم: هو إمام من الأئمة لا يدلس ويتكلم في الرجال والفقه، وظهر من حديثه نحو عشرة آلاف، ما رأيت في يده كتابا قط، ولقد حضرت مجلسه ببغداد فحرزوا من حضر مجلسه أربعين ألف رجل، قال البخاري: ولد سنة أربعين ومائة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين، وكانت وفاته بالبصرة. وكان قد عزل من قضاء مكة ورجع إليها.
(ومن لطائف أسناده) أنهم كلهم بصريون، وهو أحد ضروب علو الرواية. قوله: (ثلاث) أي: ثلاث خصال أو خلال، وقد مر الإعراب فيه، قوله: (من كان الله) يجوز في إعرابه الوجهان: أحدهما: أن يكون بدلا من ثلاث، أو بيانا، والآخر: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وتقدير الأول: من الذين فيهم الخصال الثلاث من كان الله إلى آخره، ويجوز أن يكون خبرا لقوله: ثلاث، على تقدير كون الجملة الشرطية صفة لثلاث. وقال الكرماني: يقدر قبل من الأولى، والثانية لفظة: محبة، وقيل من الثالثة لفظ: كراهة، أي: محبة من كان ومن أحب وكراهة من كره، ولشدة اتصال المضاف بالمضاف إليه وغلبة المحبة والكراهة عليهم جاز حذف المضاف منها. قلت: لا حاجة إلى هذا التقدير لاستقامة الإعراب والمعنى بدونه، على ما لا يخفى. قوله: (بعد إذ أنقذه الله) بعد، نصب على الظرف، وإذ، كلمة ظرف كما في قوله تعالى: * (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا) * (التوبة: 40) ومعنى انقذه الله: خلصه ونجاه، وهو من الإنقاذ، وثلاثية النقذ، قال ابن دريد: النقذ مصدر نقذ بالكسر ينقذ نقذا بالتحريك: إذا نجى، قال تعالى: * (فأنقذكم منها) * (آل عمران: 103) أي: خلصكم، يقال: أنقذته واستنقذته وتنقذته: إذا خلصته ونجيته، قال تعالى: * (لا يستنقذوه منه) * (الحج: 73) وفي (العباب): والتركيب يدل على الاستخلاص.
15 ((باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال)) أي: هذا باب تفاضل أهل الإيمان، والأصل: هذا باب في بيان تفاضل أهل الإيمان في أعمالهم، وتفاضل، مجرور بإضافة الباب إليه، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء. وقوله: (في الأعمال) خبره، ويكون الباب مضافا إلى جملة، وقوله: في الأعمال يتعلق بتفاضل. أو يتعلق بمقدر نحو: الحاصل، وكلمة: في، للسببية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (في النفس المؤمنة مائة إبل) أي: التفاضل الحاصل بسبب الأعمال.
وجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب الأول ثلاث خصال، والناس متفاوتون فيها، والفاضل من استكمل الثلاث فقد حصل فيه التفاضل في العمل، وهذا الباب أيضا في التفاضل في العمل.
22 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحياء أو الحياة شك مالك فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية.
.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وهي أن المذكور فيه هو: أن القليل جدا من الإيمان يخرج صاحبه من النار
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»