وأما قول أبي النجم:
* سبى الحماة وابهتوا عليها * فإن على، مقحمة، وإنما الكلام بهته، ولا يقال: بهت عليه؛ وفي (الصحاح): بهت الرجل بالكسر إذا دهش تحير، وبهت بالضم مثله، وأفصح منهما: بهت، لأنه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت ولا بهيت، قاله الكسائي. قلت: فيه نظر لما مر، ولقول القزاز: بهت يبهت، وفيه لغة أخرى وهي: بهت يبهت بهتا. قال هو وابن دريد في (الجمهرة): هو رجل باه وبهات؛ وقال الهروي: * (ولا يأتين ببهتان) * (الممتحنة: 12) أي: لا يأتين بولد عن معارضته فتنسبه إلى الزوج كان ذلك بهتان وفرية، ويقال كانت المرأة تلتقط الولد فتتبناه. وقال الخطابي: معناه ههنا قذف المحصنات وهو من الكبائر، ويدخل فيه الاغتياب لهن ورميهن بالمعصية. وقال أيضا: لا تبهتوا الناس بالمعايب كفاحا ومواجهة، وهذا كما يقول الرجل: فعلت هذا بين يديك، أي: بحضرتك. قوله: (تفترونه) من الافتراء وهو الاختلاق، والفرية: الكذب. يقال: فرى فلان كذا، إذا أختلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم: الفرية، وفلان يفري الفرى، إذا كان يأتي بالعجب في عمله، قال تعالى: * (لقد جئت شيئا فريا) * (مريم: 27) أي: مصنوعا مختلقا، ويقال: عظيما. قوله: (ولا تعصوا)، وفي باب وفود الأنصار: ولا تعصوني، والعصيان خلاف الطاعة، قوله: (في معروف) أي: حسن، وهو ما لم ينه الشارع فيه، أو معناه مشهور أي: ما عرف فعله من الشارع واشتهر منه، ويقال: في معروف، أي: في طاعة الله تعالى، ويقال: في كل بر وتقوى. وقال البيضاوي: المعروف ما عرف من الشارع حسنه، وقال الزجاج: أي المأمور به، وفي (النهاية): هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات. قوله: (فمن وفى منكم) أي: ثبت على ما بايع عليه، يقال بتخفيف الفاء وتشديدها، يقال: وفى بالعهد وأوفى ووفي ثلاثي ورباعي، ووفى بالشيء ثلاثي، ووفت ذمتك أيضا و: أوفى الشيء ووفي، و: أوفي الكيل ووفاه، ولا يقال فيهما وفى قوله: (ومن أصاب من ذلك شيئا): من، هي التبعيضية، وشيئا، عام لأنه نكرة في سياق الشرط، وصرح ابن الحاجب بأنه كالنفي في إفادة العموم كنكرة وقعت في سياقه قوله: (كفارة) الكفارة: الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أي: تسترها، يقال: كفرت الشيء أكفر، بالكسر، كفرا أي: سترته، ورماد مكفور إذا سفت الريح التراب عليه حتى غطته، ومنه الكافر لأنه ستر الإيمان وغطاه.
(بيان الإعراب): قوله: (عائذ الله) عطف بيان عن قوله أبو إدريس، ولهذا ارتفع. قوله: (إن عبادة) أصله بأن عبادة، قوله: (وكان شهد بدرا) الواو فيه هي الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها. وإفادة أن اتصافه بها أمر ثابت، وكذلك الواو في قوله: (وهو أحد النقباء) ولا شك أن كون شهود عبادة بدرا، وكونه من النقباء صفتان من صفاته، ولا يجوز أن تكون الواوان للحال ولا للعطف على ما لا يخفى على من له ذوق سليم، قوله: (بدرا) منصوب بقوله: شهد، وليس هو مفعول فيه، وإنما هو مفعول به، لأن تقديره شهد الغزوة التي كانت ببدر، قوله: (وهو) مبتدأ وخبره: أحد النقباء، و (ليلة العقبة) نصب على الظرفية، قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أصله: بأن، فإن قلت: كيف هذا التركيب: أن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن قوله: وكان شهد بدرا إلى قوله: إن، معترض؟ قلت: تقديره: أن عبادة بن الصامت قال أو أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ساقط من أصل الرواية، وسقوط هذا غير جائز، وإنما جرت عادة أهل الحديث بحذف: قال، إذا كان مكررا نحو: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا ينطقون بها عند القراءة، وأما هنا فلا وجه لجواز الحذف، والدليل عليه أنه ثبت في رواية البخاري هذا الحديث بإسناده هذا في باب: من شهد بدرا، والظاهر أنها سقطت من النساخ من بعده، فاستمروا عليه، وقد روى أحمد بن حنبل عن أبي اليمان بهذا الإسناد: أن عبادة حدثه. قوله: (قال) جملة في محل الرفع لأنها خبر: إن، قوله: (وحوله عصابة) جملة اسمية وقعت حالا، وقوله: عصابة، هي المبتدأ، و: حوله، نصب على الظرفية مقدما خبره، قوله: (من أصحابه) جملة في محل الرفع على أنها صفة للعصابة، أي: عصابة كائنة من أصحابه، من، للتبعيض، ويجوز أن تكون للبيان، قوله: (بايعوني): جملة مقول القول، قوله: (على أن) كلمة: أن، مصدرية أي: على ترك الإشراك بالله شيئا، قوله: (ولا تسرقوا) وما بعده كلها عطف على: لا تشركوا، قوله: (تفترونه)، جملة في محل الجر على أنها صفة لبهتان، قوله: (ولا تعصوا) أيضا عطف على المنفي فيما قبله، قوله: (فمن وفى) كلمة: من، شرطية مبتدأ، ووفى جملة صلتها، قوله: (فأجره) مبتدأ ثان، وقوله: (على الله) خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ الشرط، قوله: