(بيان اللغات) قوله: (آية الإيمان) أي: علامة الإيمان، واصلها: أوية، بالتحريك، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، قال سيبويه: موضع العين من الآية واو، لأن ما كان موضع العين واوا وموضع اللام ياء أكثر مما موضع العين واللام ياآن، مثل: شويث أكثر من: جبيت، وتكون النسبة إليه: أوي. قال الفراء: هي من الفعل: فاعلة وإنما ذهبت منه اللام، ولو جاءت تامة لجاءت: آيية، ولكنها خففت، وجمع الآية: آي وأياي وآيات. ويقال في النسبة إلى آية: آيي، والمشهور أن عينها ياء، ووزنها فاعة. لأن الأصل: آيية، فحذفوا الياء الثانية التي هي لام، ثم فتحوا التي هي عين لأجل تاء التأنيث. قوله: (الأنصار) جمع ناصر، كالأصحاب جمع صاحب، ويقال جمع نصير: كشريف وأشراف، والأنصار سموا به لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ولد الأوس والخزرج ابنا حارثة أو ثعلبة العنقاء، لطول عنقه، ابن عمرو بن مزيقيا بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد، واسمه دراء، على وزن فعال، ابن الغوث بن نبت يعرب بن يقطن وهو قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن، وهو أبو اليمن كلها. ومنهم من ينسبه إلى إسماعيل فيقول: قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل. هذا قول الكلبي، ومنهم من ينسبه إلى غيره، فيقول: قحطان بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، فعلى الأول العرب كلها من ولد إسماعيل عليه السلام، وعلى الثاني من ولد إسماعيل وقحطان، وقال حسان بن ثابت.
* أما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا، والماء غسان * وغسان: ماء كان شربا لولد مازن بن الأزد، وكان الأنصار الذين هم الأوس والخزرج يعرفون قبل ذلك: بإبني قيلة، بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهي الام التي تجمع القبيلتين، فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم، الأنصار، فصار ذلك علما عليهم، وأطلق أيضا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم. ويقال: سماهم الله تعالى بذلك فقال: * (والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا) * (الأنفال: 74). قوله: (النفاق) هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وقال ابن الأنباري: في الاعتلال في تسمية المنافق منافقا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه سمي به لأنه يستر كفره ويغيبه، فشبه بالذي يدخل النفق، وهو: السرب، يستتر فيه. والثاني: أنه نافق كاليربوع، فشبه به لأنه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي دخل فيه. والثالث: أنه إنما سمي به لإظهاره غير ما يضمر، تشبيها باليربوع، فكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر. ونافق اليربوع أخذ في نافقائه، ونفق اليربوع أي استخرجه، والنافقاء إحدى حجرة اليربوع، يكتمها ويظهر غيره، وهو موضع يرققه، فإذا أتى من قبل القاصعاء، ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي: خرج. ثم أعلم أن النفاق هو، بكسر النون، وأما النفاق، بالفتح، فهو من: نفق البيع نفاقا إي: راج، ونفقت الدابة نفوقا أي: ماتت، والنفاق بالكسر أيضا جمع النفقة من الدراهم وغيرها، مثال ثمرة وثمار، ونفقت نفاق القوم بالكسر ينفق نفقا بالتحريك، أي: فنيت، وأنفق الرجل ماله وانفق القوم نفقت سوقهم، وقال تعالى: * (خشية الانفاق) * (الإسراء: 100) أي: خشية الفناء والنفاد، وقال قتادة: أي خشية إنفاقه. وقال الصغاني: التركيب يدل على انقطاع الشيء وذهابه، وعلى إخفاء شيء وإغماضه.
(بيان الإعراب) قوله: (آية الإيمان) كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره قوله: (حب الأنصار)، ومثل هذه تسمى قضية ثنائية، وأهل المعقول يشترطون الرابطة ويقولون: التقدير في مثلها آية الإيمان هي حب الأنصار، كما يقدرون في نحو: زيد قائم زيد: هو قائم، ويسمونها: قضية ثلاثية، وقد ضبط أبو البقاء العكبري: إنه الإيمان حب الأنصار، بهمزة مكسورة، ونون مشددة، وهاء الضمير، وبرفع الإيمان فاعربه، فقال: إن للتأكيد، والهاء ضمير الشان، والإيمان مبتدأ، وما بعده خبره، والتقدير: إن الشان الإيمان حب الأنصار، وهذا مخالف لجميع الروايات التي وقعت في الصحاح والسنن والمسانيد، وما أقربه أن يكون تصحيفا قوله: (وآية النفاق) أيضا: كلام إضافي مبتدأ، وقوله: (بغض الأنصار) خبره.
(بيان المعاني) فيه ما قال أهل المعاني من: إن المبتدأ والخبر إذا كانا معرفتين تفيد الحصر، ولكن هذا ليس بحصر حقيقي، بل هو حصر ادعائي تعظيما لحب الأنصار، كان الدعوى أنه؛ لا علامة لإيمان إلا حبهم، وليس حبهم إلا علامته، ويؤيده ما قد جاء في صحيح مسلم: (آية المؤمن من حب الأنصار)، بتقديم الآية (وحب الأنصار آية الإيمان) بتقديم الحب. فإن