عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٣٧
الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يعقل تأتيه في الأخرى، فلا، وكأنه بني على أن لفظ: خير، اسم لا أفعل تفضيل. انتهى. قلت: الفرق تام بلا شك، لأن الفضل في اللغة: الزيادة، ويقابله: القلة، والخير إيصال النفع، ويقابله: الشر، والأشياء تتبين بضدها. وفي (العباب) الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة، وقال: الخير ضد الشر، وقوله: كأنه يبنى على أن لفظ: خير، اسم لا أفعل تفضيل، ليس موضع التشكيك، لأن لفظة: خير، ههنا أفعل التفضيل قطعا، لأن السؤال ليس عن نفس الخيرية، وإنما السؤال عن وصف زائد وهو الأخيرية، غير أن العرب استعملت أفعل التفضيل من هذا الباب على لفظه فيقال: زيد خير من عمرو، على معنى أخير منه، ولهذا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.
12 حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
الحديث مطابق للترجمة لأنه أخذ جزء منه فبوب عليه. فإن قلت: لم بوب على الجزء الأول ولم يقل باب: إقراء السلام على من عرف ومن لم يعرف من الإسلام؟ قلت: لا شك أن كون إطعام الطعام من الإسلام أقوى وآكد من كون إقراء السلام منه، ولأن السلام لا يختلف بحال من الأحوال بخلاف الإطعام، فإنه يختلف بحسب الأحوال، فأدناه مستحب وأعلاه فرض. وبينهما درجات أخر، ولأن التبويب بالمقدم والمصدر أولى على ما لا يخفى.
(بيان رجاله) وهم خمسة. الأول: أبو الحسن عمرو، بفتح العين، بن خالد بن فروخ، بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة، وفي آخره خاء معجمة، بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد بن ليث بن واقد بن عبد الله الحراني، سكن مصر، روى عن: الليث بن سعد وعبيد الله بن عمر وغيرهما، روى عنه: الحسن بن محمد الصباح وأبو زرعة وأبو حاتم وقال: صدوق، وقال أحمد بن عبد الله: ثبت ثقة مصري، انفرد البخاري بالرواية عنه دون أصحاب الكتب الخمسة، وروى ابن ماجة عن رجل عنه، توفي بمصر سنة تسع وعشرين ومائتين. الثاني: الليث بن سعد المصري الإمام المشهور المتفق على جلالته وإمامته، ويكنى بأبي الحارث، مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس من أهل أصبهان، والمشهور أنه فهمي، وفهم من قيس غيلان، ولد بقلقشندة قرية على نحو أربعة فراسخ من مصر، روى عن جماعة كثيرين، وروى عن أبي حنيفة وعده أصحابنا من أصحاب أبي حنيفة، وكذا قال القاضي شمس الدين ابن خلكان، وروى عنه خلق كثير، وقال أحمد: ثقة ثبت وكان سريا نبيلا سخيا له ضيافة، ولد في سنة أربع وتسعين، ومات يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومائة. الثالث: يزيد ابن أبي حبيب، واسم أبي حبيب سويد المصري أبو رجاء، تابعي جليل، سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبا الطفيل عامر بن واثلة من الصحابة وخلقا من التابعين، روى عنه: سليمان التيمي وإبراهيم بن يزيد ويحيى بن أيوب وخلق كثير من أكابر مصر، قال ابن يونس: كان يفتي أهل مصر في زمانه وكان حليما عاقلا، وهو أول من أظهر العلم بمصر والفقه والكلام بالحلال والحرام، وكانوا قبل ذلك، إنما يتحدثون بالفتن والملاحم، وكان أحد الثلاثة الذين جعل إليهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، الفتيا بمصر، وعنه قال: كان يزيد نوبيا من أهل دنقلة، فابتاعه شريك بن الطفيل العامري فاعتقه، ولد سنة ثلاث وخمسين، وقال ابن سعد: مات سنة ثمان وعشرين ومائة، روى له الجماعة أيضا. الرابع: أبو الخير، بالخاء المعجمة، مرثد، بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة، أبو عبد الله اليزني المصري، روى عن: عمرو بن العاص وسعيد بن زيد وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم، توفي سنة تسعين، روى له الجماعة. الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد تقدم.
(بيان الأنساب) الحراني: نسبة إلى حران، بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين في آخره نون بعد الألف، مدينة عظيمة قديمة تعد من ديار مصر، واليوم خراب، وقيل: هي مولد إبراهيم الخليل ويوسف وإخوته، عليهم الصلاة والسلام؛ اليزني: بفتح الياء آخر الحروف، والزاي المعجمة بعدها نون، نسبة إلى ذي يزن، وهو عامر بن أسلم بن الحارث
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»