ومنها: ما قيل: المفهوم منه أنه، إذا لم يسلم المسلمون منه لا يكون مسلما، لكن الاتفاق على أنه إذا أتى بالأركان الخمسة فهو مسلم بالنص والإجماع. وأجيب: بأن المراد منه المسلم الكامل كما ذكرنا، وإذا لم يسلم منه المسلمون فلا يكون مسلما كاملا، وذلك لأن الجنس إذا أطلق يكون محمولا على الكامل، نص عليه سيبويه في نحو: الرجل زيد. وقال ابن جني: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس، ألا ترى كيف سموا الكعبة بالبيت؟ وقد يقال: سلامة المسلمين خاصة المسلم، ولا يلزم من انتفاء الخاصة انتفاء ما له الخاصة. ومنها: ما قيل: ما يقال في إقامة الحدود، وإجراء التعازير، والتأديبات إلى آخره؟ وأجيب: بأن ذلك مستثنى من هذا العموم بالإجماع، أو أنه ليس إيذاء بل هو عند التحقيق استصلاح وطلب للسلامة لهم ولو في المآل. ومنها: ما قيل: إذا آذى ذميا ما يكون حاله؟ لأن الحديث مقيد بالمسلمين أجيب: بأنه قد ذكر المسلمون هنا بطريق الغالب، ولأن كف الأذى عن المسلم أشد تأكيدا لأصل الإسلام، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا، وإن كان فيهم من يجب الكف عنه. ومنها: ما قيل: ما حكم المسلمات في ذلك، لأنه ذكر بجمع التذكير؟ وأجيب: بأن هذا من باب التغليب، فإن المسلمات يدخلن فيه كما في سائر النصوص والمخاطبات. ومنها: ما قيل: لم عبر باللسان دون القول، فإنه لا يكون إلا باللسان؟ أجيب: بأنه إنما عبر به دون القول حتى يدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء. ومنها: ما قيل: ما الفرق بين الأذى باللسان وبين الأذى باليد؟ أجيب: بأن إيذاء اللسان عام، لأنه يكون في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد، لأن إيذاءها مخصوص بالموجودين، اللهم إلا إذا كتب باليد، فإنه حينئذ تشارك اللسان، فحينئذ يكون الحديث عاما بالنسبة إليهما، وأما في الصورة الأولى فإنه عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد. فافهم.
قال أبو عبد الله وقال أبو معاوية حدثنا داود عن عامر قال سمعت عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الأعلى عن داود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذان تعليقان رجالهما خمسة. الأول: أبو معاوية محمد بن خازم، بالخاء والزاي المعجمة، الضرير الكوفي التميمي، السعدي، مولى سعد بن زيد مناة بن تميم، يقال: عمي وهو ابن أربع سنين أو ثمان، روى عن الأعمش وغيره، وعنه أحمد وإسحاق، وهو ثبت في الأعمش، وكان مرجئا، مات في صفر سنة خمس وتسعين ومائة، وفي الرواة أيضا: أبو معاوية النخعي عمر، وأبو معاوية شيبان. الثاني: داود بن أبي هند دينار، مولى امرأة من قشير، ويقال: مولى عبد الله عامر بن كريز، أحد الأعلام الثقات، بصري، رأى أنسا وسمع الشعبي وغيره من التابعين، وعنه شعبة والقطان، له نحو مائتي حديث، وكان حافظا صواما دهره قانتا لله، مات سنة أربعين ومائة بطريق مكة، عن خمس وسبعين سنة، روى له الجماعة، والبخاري استشهد به هنا خاصة، وليس له في صحيحه ذكر إلا هنا. الثالث: عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، بالسين المهملة، من بني سامة بن لؤي بن غالب القرشي البصري، روى عن الجريري وغيره، وعنه بندار، وهو ثقة قدري لكنه غير داعية، مات في شعبان سنة تسع وثمانين ومائة، وفي الصحيحين: عبد الأعلى ثلاثة: هذا، وفي ابن ماجة آخر واه، وآخر كذلك وآخر صدوق، وفي النسائي آخر ثقة، وفيه وفي الترمذي آخر ثقة، وفي الأربعة آخران ضعفهما أحمد، فالجملة تسعة، وفي الضعفاء سبعة أخرى. الرابع: عامر، هو الشعبي المذكور عن قريب. الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد مر آنفا. وأراد بالتعليق الأول بيان سماع الشعبي من عبد الله بن عمرو لأن وهيب بن خالد روى عن داود، عن رجل، عن الشعبي، عن عبيد الله بن عمرو. وحكاه ابن منده، فأخرج البخاري هذا التعليق لينبه به على سماع الشعبي من عبد الله بن عمرو، فعلى هذا لعل الشعبي بلغه ذاك عن عبد الله بن عمرو، ثم لقيه فسمعه منه. وأخرج هذا التعليق إسحاق بن راهويه في (مسنده) عن أبي معاوية موصولا، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) فقال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر، حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن عمرو ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم الناس من