الوجوه الثلاثة وهي الإضافة ومن واللام. قلت: قد يجرد من ذلك كله عند العلم به، كما في قوله تعالى: * (يعلم السر وأخفى) * (طه: 7) أي: أخفى من السر، وقولك الله أكبر، أي أكبر من كل شيء، والتقدير ههنا: أفضل من غيره. ومعنى الأفضل هو الأكثر ثوابا عند الله تعالى، كما تقول: الصدق أفضل من غيره. أي: هو أكثر ثوابا عند الله تعالى من غيره. قوله: (من سلم) إلى آخره. مقول القول. فإن قلت: مقول القول يكون جملة. قلت: هو أيضا جملة، لأن تقدير الكلام هو: من سلم، إلى آخره فالمبتدأ محذوف، ومن موصولة، وسلم المسلمون من لسانه، ويده صلتها، وفيه العائد.
(بيان المعاني وغيره) فيه وقوع المبتدأ والخبر معرفتين الدال على الحصر، وهو على ثلاثة أقسام: عقلي: كالعدد للزوجية والفردية، ووقوعي: كحصر الكلمة على ثلاثة أقسام، وجعلي: كحصر الكتاب على مقدمة ومقالات أو كتب أو أبواب وخاتمة، ويسمى هذا: ادعائيا أيضا. والحديث من هذا القسم. قوله: (قال) فاعله أبو موسى الأشعري؛ قوله: (قالوا) فاعله جماعة معهودون، ووقع في رواية مسلم والحسن بن سفيان وأبي يعلى في (مسنديهما) عن سعيد بن يحيى شيخ البخاري بإسناده المذكور، بلفظ: قلنا ورواه ابن منده من طريق حسين بن محمد القباني، أحد الحفاظ عن سعيد بن يحيى المذكور بلفظ: قلت، فتعين من هذا أن السائل هو أبو موسى وحده. ومن رواية مسلم أن أبا موسى أحد السائلين، ولا تنافي بين هذه الروايات، لأن في رواية البخاري أخبر عن جماعة هو داخل فيهم، وفي رواية مسلم صرح بأنه أحد الجماعة السائلين. فإن قلت: بين رواية: قالوا، وبين رواية: قلت، منافاة. قلت: لا لإمكان التعدد، فمرة كان السؤال منهم فحكى سؤالهم، ومرة كان منه فحكى سؤال نفسه، وقد سأل هذا السؤال أيضا اثنان من الصحابة، أحدهما: أبو ذر، حديثه عند ابن حبان، والآخر: عمير بن قتادة، حديثه عند الطبراني. قوله: (من سلم) قد ذكرنا أنه جواب. قال الكرماني: فإن قلت: سألوا عن الإسلام أي: الخصلة. فأجاب: بمن سلم أي: ذي الخصلة، حيث قال: من سلم، ولم يقل: هو سلامة المسلمين من لسانه ويده، فكيف يكون الجواب مطابقا للسؤال؟ قلت: هو جواب مطابق وزيادة من حيث المعنى، إذ يعلم منه أن أفضليته باعتبار تلك الخصلة، وذلك نحو قوله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين) * (البقرة: 215) أو أطلق الإسلام، وأراد الصفة كما يقال العدل ويراد العادل، فكأنه قال: أي المسلمين خير، كما في بعض الروايات: أي المسلمين خير؟ قلت: هذا التعسف كله لأجل تقديره: أي خصال الإسلام أفضل؟ ولو قدر بما قدرناه لاستغنى عن هذا السؤال والجواب. فافهم.
6 ((باب إطعام الطعام من الإسلام)) الكلام مثل الكلام فيما قبله في الإعراب وتركه، وفي رواية الأصيلي: من الإيمان، موضع: من الإسلام، والتقدير: إطعام الطعام من شعب الإسلام أو الإيمان، وذلك لأنه لما قال: أولا باب أمور الإيمان، وذكر فيه أن الإيمان له شعب، ذكر عقيبه أبوابا، كل باب منها يشتمل على شيء من الشعب، وهذا الباب فيه شعبتان: الأولى: إطعام الطعام والثانية: إقراء السلام مطلقا. وبقيت المناسبة بين البابين وهي: أن الباب الأول فيه أفضلية من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقد ذكرنا أن المراد من الأفضلية الخيرية وأكثرية الثواب، وهذا الباب فيه خيرية من يطعم الطعام ويقرأ السلام، ولا شك إن المطعم في سلامة من لسان المطعم ويده، لأنه لم يطعمه إلا عن قصد خير له، وكذلك المسلم عليه في سلامة من لسان المسلم ويده؛ لأن معنى: السلام عليك: أنت سالم مني ومن جهتي. فإن قلت: كان ينبغي أن يقول باب: أي الإسلام خير، كما قال في الباب الأول أي الإسلام أفضل؟ قلت: لاختلاف المقام، لأن أفضليته هناك راجعة إلى الفاعل، والخيرية ههنا راجعة إلى الفعل، وهذا وجه. وأحسن من الذي قاله الكرماني، وهو: إن الجواب ههنا وهو: تطعم الطعام، صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإطعام من الإسلام، بخلاف ما تقدم، إذ ليس صريحا في أن سلامة المسلمين منه من الإسلام انتهى. قلت: إذا كان من سلم المسلمون من لسانه ويده أفضل ذوي الإسلام، فبالضرورة إطعام الطعام يكون بكون السلامة منه من الإسلام، على أن الكناية أبلغ من التصريح. فافهم. فإن قلت: هل فرق بين: أفضل، وبين: خير؟ قلت: لا شك أنهما من باب التفضيل، لكن أفضل يعني كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير يعني النفع في مقابلة الشر، والأول من الكمية، والثاني من الكيفية. وتعقبه بعضهم بقوله: