فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن هذا العدد في الكتاب والسنة انتهى. وقد تكلفت جماعة في بيان هذا العدد بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون المراد ذلك نظر وصعوبة. قال القاضي عياض: ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأن هذا العدد واجب على الجملة، وتفصيل تلك الأصول وتعيينها على هذا العدد يحتاج إلى توقيف. وقال الخطابي: هذه منحصرة في علم الله وعلم رسوله، موجودة في الشريعة، غير أن الشرع لم يوقفنا عليها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كلفنا به، فما أمرنا بالعلم به عملنا، وما نهانا عنه انتهينا، وإن لم نحط بحصر أعداده. وقال أيضا: الإيمان اسم يتشعب إلى أمور ذوات عدد جماعها الطاعة، ولهذا صار من صار من العلماء إلى أن الناس مفاضلون في درج الإيمان، وإن كانوا متساوين في اسمه. وكان بدء الإيمان كلمة الشهادة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية عمره يدعو الناس إليها، وسمى من أجابه إلى ذلك مؤمنا إلى أن نزلت الفرائض، وبهذا الاسم خوطبوا عند إيجابها عليهم، فقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) وهذا الحكم مستمر في كل اسم يقع على أمر ذي شعب: كالصلاة، فإن رجلا لو مر على مسجد وفيه قوم منهم من يستفتح الصلاة، ومنهم من هو راكع أو ساجد، فقال: رأيتهم يصلون كان صادقا مع اختلاف أحوالهم في الصلاة، وتفاضل أفعالهم فيها. فإن قيل: إذا كان الإيمان بضعا وسبعين شعبة، فهل يمكنكم أن تسموها بأسمائها؟ وإن عجزتم عن تفصيلها، فهل يصح إيمانكم بما هو مجهول؟ قلنا: إيماننا بما كلفناه صحيح، والعلم به حاصل، وذلك من وجهين. الأول: أنه قد نص على أعلى الإيمان وأدناه باسم أعلى الطاعات وأدناها، فدخل فيه جميع ما يقع بينهما من جنس الطاعات كلها، وجنس الطاعات معلوم. والثاني: أنه لم يوجب علينا معرفة هذه الأشياء بخواص أسمائها حتى يلزمنا تسميتها في عقد الإيمان، وكلفنا التصديق بجملتها كما كلفنا الإيمان بملائكته وإن كنا لا نعلم أسماء أكثرهم ولا أعيانهم. وقال النووي: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم، أعلى هذه الشعب وأدناها، كما ثبت في الصحيح، من قوله صلى الله عليه وسلم: (أعلاها لا إله إلا الله وأدناها أماطة الأذي عن الطريق) فبين أن أعلاها التوحيد المتعين على كل مكلف، والذي لا يصح شيء غيره من الشعب إلا بعد صحته، وأن أدناها دفع ما يتوقع به ضرر المسلمين، وبقي بينهما تمام العدد، فيجب علينا الإيمان به وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده، كما نؤمن بالملائكة وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم. انتهى.
وقد صنف في تعيين هذه الشعب جماعة، منهم: الإمام أبو عبد الله الحليمي صنف فيها كتابا أسماه: (فوائد المنهاج)، والحافظ أبو بكر البيهقي وسماه: (شعب الإيمان)، وإسحاق ابن القرطبي وسماه: (كتاب النصايح)، والإمام أبو حاتم وسماه: (وصف الإيمان وشعبه). ولم أر أحدا منهم شفى العليل، ولا أروى الغليل. فنقول ملخصا بعون الله تعالى وتوفيقه: إن أصل الإيمان هو: التصديق بالقلب والإقرار باللسان، ولكن الإيمان الكامل التام هو التصديق والإقرار والعمل، فهذه ثلاثة أقسام. فالأول: يرجع إلى الاعتقاديات، وهي تتشعب إلى ثلاثين شعبة. الأولى: الإيمان بالله تعالى، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأن ليس كمثله شيء. الثانية: اعتقاد حدوث ما سوى الله تعالى. الثالثة: الإيمان بملائكته. الرابعة: الإيمان بكتبه. الخامسة: الإيمان برسله. السادسة: الإيمان بالقدر خيره وشره. السابعة: الإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه السؤال بالقبر وعذابه، والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط. الثامنة: الوثوق على وعد الجنة والخلود فيها. التاسعة: اليقين بوعيد النار وعذابها وأنها لا تفنى. العاشرة: محبة الله تعالى. الحادية عشر: الحب في الله والبغض في الله، ويدخل فيه حب الصحابة المهاجرين والأنصار، وحب آل الرسول صلى الله عليه وسلم. الثانية عشر: محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته. الثالثة عشر: الإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق. الرابعة عشر: التوبة والندم. الخامسة عشر: الخوف. السادسة عشر: الرجاء. السابعة عشر: ترك اليأس والقنوط. الثامنة عشر: الشكر. التاسعة عشر: الوفاء. العشرون: الصبر. الحادية والعشرون. التواضع، ويدخل فيه توقير الأكابر. الثانية والعشرون: الرحمة والشفقة، ويدخل فيه الشفقة على الأصاغر. الثالث والعشرون: الرضاء بالقضاء. الرابعة والعشرون: التوكل. الخامسة والعشرون: ترك العجب والزهو، ويدخل فيه ترك مدح نفسه وتزكيتها. السادسة والعشرون: ترك الحسد. السابعة والعشرون: ترك الحقد