عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٣٠
الدنيا وفظاعة الآخرة فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات كلها، وقال الطيبي: معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب كأنه يقول: هذه شعبة واحدة من شعبه، فهل تحصى شعبه كلها؟ هيهات ان البحر لا يغرف.
4 ((باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أي: هذا باب، فالمبتدأ محذوف، ويجوز ترك التنوين بالإضافة إلى ما بعده من الجملة، ويجوز الوقف على السكون، وليس في رواية الأصيلي باب. والمناسبة بين البابين ظاهرة، لأنه ذكر في الباب السابق أن الإيمان له شعب، هذا الباب فيه بيان شعبتين من هذه الشعب، وهما: سلامة المسلمين من لسان المسلم ويده، والمهاجر من هجر المنهيات.
10 حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
أوصل بهذا ما علقه أولا، وإنما علقه لأجل التبويب. فإن قلت: لم لم يبوب على الجملة الأخيرة من الحديث؟ قلت: لأن في صدر الحديث لفظة المسلم، والكتاب الذي يحوي هذه الأبواب كلها من أمور الإيمان والإسلام. فإن قلت: هجر المنهيات أيضا من أمور الإسلام. قلت: بلى، ولكنه في تبويبه بصدر الحديث اعتناء بذكر لفظ فيه مادة من الإسلام.
(بيان رجاله) وهم ستة. الأول: أبو الحسن آدم بن أبي إياس بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف في آخره سين مهملة، واسم أبي إياس: عبد الرحمن، وقيل: ناهية، بالنون وبين الهائين ياء آخر الحروف خفيفة، أصله من خراسان، نشأ ببغداد وكتب عن شيوخها، ثم رحل إلى الكوفة والبصرة والحجاز ومصر والشام، واستوطن عسقلان، وتوفي بها سنة عشرين ومائتين. قال أبو حاتم: هو ثقة مأمون متعبد، من خيار عباد الله تعالى، وكان وراقا، وكان عمره حين مات ثمانيا وثمانين سنة، وقيل: نيفا وتسعين سنة، وليس في كتب الحديث آدم بن أبي إياس غير هذا، وفي مسلم والترمذي والنسائي: آدم بن سليمان الكوفي، وفي البخاري والنسائي: آدم بن علي العجلي الكوفي أيضا فحسب، وفي الرواة آدم بن عيينة، أخو سفيان، لا يحتج به، وآدم بن فايد عن عمرو بن شعيب مجهول. الثاني: شعبة، غير منصرف، ابن الحجاج بن الورد، أبو بسطام الأزدي مولاهم الواسطي، ثم انتقل إلى البصرة وأجمعوا على إمامته وجلالة قدره، قال سفيان الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الحديث. وقال أحمد: كان أمة وحده في هذا الشأن، مات بالبصرة أول سنة ستين ومائة، وكان ألثغ، وليس في الكتب الستة: شعبة بن الحجاج غيره، وفي النسائي: شعبة بن دينار الكوفي، صدوق. وفي أبي داود: شعبة بن دينار، عن مولاه ابن عباس ليس بالقوي، وفي الضعفاء: شعبة بن عمرو ويروي عن أنس. قال البخاري: أحاديثه مناكير، وفي الصحابة: شعبة بن التوأم وهو من الأفراد، والظاهر أنه تابعي. الثالث: عبد الله بن أبي السفر، بفتح الفاء، وحكى إسكانها، واسم أبي السفر: سعيد بن يحمد، بضم الياء وفتح الميم، كذا ضبطه النووي. وقال الغساني: بضم الياء وكسر الميم، ويقال: أحمد الثوري الهمداني الكوفي، مات في خلافة مروان بن محمد روى له الجماعة. واعلم أن السفر، كله بإسكان الفاء في الاسم، وتحريكها في الكنية. ومنهم من سكن الفاء في عبد الله المذكور كما مضى. الرابع: إسماعيل بن أبي خالد هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير البجلي الأحمسي مولاهم الكوفي، سمع خلقا من الصحابة منهم: أنس بن مالك وجماعة من التابعين، وعنه الثوري وغيره من الأعلام، وكان عالما متقنا صالحا ثقة، وكان يسمى: الميزان، وكان طحانا، توفي بالكوفة سنة خمس وأربعين ومائة. الخامس: الشعبي، بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها الباء الموحدة، هو أبو عمرو عامر بن شراحيل، وقيل: ابن عبد الله بن شراحيل الكوفي التابعي الجليل الثقة، روى عن خلق من الصحابة منهم: ابن عمر وسعد وسعيد، روي عنه أنه قال: أدركت خمسمائة صحابي، قال أحمد بن عبد الله: ومرسله صحيح. روى عنه قتادة وخلق من التابعين، ولي قضاء الكوفة، وولد لست سنين مضت من خلافة عثمان، ومات بعد المائة إما سنة ثلاث أو أربع أو خمس أو ست، وهو ابن نيف وثمانين سنة، وكان مزاحا، وأمه من
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»