عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١١٤
الجزم وهو حكم منه بصحته وأخرجه أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر بن يزيد رسته في كتاب الإيمان تأليفه فقال حدثنا ابن مهدي حدثنا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال كتب عمر رضي الله عنه فذكره وهذا إسناد صحيح وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو أسامة عن جرير بن حازم قال حدثني عيسى بن عاصم قال حدثنا عدي بن عدي قال كتب إلي عمر بن عبد العزيز * أما بعد فإن الإيمان فرائض وشرائع وحدود سنن * إلى آخره ولما فهم البخاري من قول عمر فمن استكملها إلى آخره أي أنه قائل بأنه يقبل الزيادة والنقصان ذكره في هذا الباب عقيب الآيات المذكورة وقال الكرماني لقائل أن يقول لا يدل ذلك عليه بل على خلافه إذ قال للإيمان كذا وكذا فجعل الإيمان غير الفرائض وأخواتها وقال استكملها أي الفرائض ونحوها لا الإيمان فجعل الكمال لما للإيمان لا للإيمان قلت لو وقف الكرماني على رواية ابن أبي شيبة لما قال ذلك لأن في روايته جعل الفرائض وأخواتها عين الإيمان على ما لا يخفى وكذا في رواية ابن عساكر ههنا فإن الإيمان فرائض نحو رواية ابن أبي شيبة وقال بعضهم وبالأول جاء الموصول قلت جاء الموصول بالأول وبالثاني جميعا على ما ذكرنا * الثالث في معناه فقوله فرائض أي أعمالا فريضة وشرائع أي عقائد دينية وحدودا أي منهيات ممنوعة وسننا أي مندوبات قال الكرماني وإنما فسرناها بذلك ليتناول الاعتقاديات والأعمال والتروك واجبة ومندوبة ولئلا يتكرر وقال ابن المرابط الفرائض ما فرض علينا من صلاة وزكاة ونحوهما والشرائع كالتوجه إلى القبلة وصفات الصلاة وعدد شهر رمضان وعدد جلد القاذف وعدد الطلاق إلى غير ذلك * والسنن ما أمر به الشارع من فضائل الأعمال فمن أتى بالفرائض والسنن وعرف الشرائع فهو مؤمن كامل قوله فسأبينها أي فسأوضحها لكم إيضاحا يفهمه كل واحد منكم فإن قلت كيف أخر بيانها والتأخير عن وقت الحاجة غير جائز قلت أنه علم أنهم يعلمون مقاصدها ولكنه استظهر وبالغ في نصحهم وتنبيههم على المقصود وعرفهم أقسام الإيمان مجملا وأنه سيذكرها مفصلا إذا تفرغ لها فقد يكون مشغولا بأهم من ذلك * (وقال إبراهيم ولكن ليطمئن قلبي) * الكلام فيه على أنواع * الأول إبراهيم هو ابن آزر وهو تارح بفتح الراء المهملة وفي آخره حاء مهملة فآزر اسم وتارح لقب له وقيل عكسه قال ابن هشام هو إبراهيم بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قابن بن فانوش بن شيث بن آدم عليه السلام ولا خلاف عندهم في عدد هذه الأسماء وسردها على ما ذكرنا وإن اختلفوا في ضبطها وإبراهيم اسم عبراني قال الماوردي معناه أب رحيم وكان آز رمن أهل حران وولد إبراهيم بكوثا من أرض العراق وكان إبراهيم يتجر في البز وهاجر من أرض العراق إلى الشام وبلغ عمره مائة وخمسا وسبعين سنة وقيل مائتي سنة ودفن بالأرض المقدسة وقبره معروف بقرية حبرون بالحاء المهملة وهي التي تسمى اليوم ببلدة الخليل * الثاني أن معناه ليزداد وهو المعنى الذي أراده البخاري وروى ابن جرير الطبري بسنده الصحيح إلى سعيد بن جبير قال قوله * (ليطمئن قلبي) * أي يزداد يقيني وعن مجاهد قال لأزداد إيمانا إلى إيماني وقيل بالمشاهدة كأن نفسه طالبته بالرؤية والشخص قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلبه من أخرى وقيل ليطمئن قلبي أي إذا سألتك أجبتني وقال الزمخشري فإن قلت كيف قال له أو لم تؤمن وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا قلت ليجيب بما أجاب فيه لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين انتهى قلت أن فيه فائدتين * إحداهما وهي التفرقة بين علم اليقين وعين اليقين فإن في عين اليقين طمأنينة بخلاف علم اليقين * والثانية أن لإدراك الشيء مراتب مختلفة قوة وضعفا وأقصاها عين اليقين فليطلبها الطالبون * وقال الزمخشري وبلى إيجاب لما بعد النفي ومعناه بلى آمنت ولكن ليطمئن قلبي ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك فإن قلت بم تعلقت اللام في ليطمئن قلت بمحذوف تقديره ولكن سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب * الثالث ما قيل كان المناسب للسياق أن يذكر هذه الآية عند سائر الآيات وأجيب بأن تلك الآيات دلت على الزيادة صريحا وهذه
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»